التوكل ليس معناه خلع الأسباب، التوكل معناه: التجاء القلب إلى الله مع الأخذ بالأسباب، هذا هو حقيقة التوكل، ولا التفات لما يحكى عن بعض الناس -وإن كان صحيحاً- كمثل حمزة الصوفي يقول: نزلت في بئر أستقي، فجاء اثنان فردما علي البئر -لا يعلمان أن فيه أحد- لا يعرفان أن فيه إنسان، قال: فجاء رجلان فطماها عليَّ، قال: فسكت حملاً لنفسي على التوكل، قال: ثم جاء أسد فأخرجني.
لو سلمنا أن هذا الكلام صحيح، فقد يكون هذا حدث اتفاقاً رحمة من الله بعبده الجاهل، وإلا فسيد المتوكلين لما أراد أن يخرج من مكة إلى المدينة لماذا اختفى في الغار؟ لماذا لم يمش أمام الكفار؟ لماذا لما رأى سراقة بن مالك دعا عليه فساخت أقدام فرسه في الأرض حتى بلغت الركبتين، قال: يا رسول الله! ادع الله أن يخرجني ولك أن أرد عنك، فدعا له فقال له: (أخفِ عنا)، لماذا قال له: أَخفِ عنا؟ أخذاً بالأسباب؛ لأن الإعراض عن الأسباب هدم لصرح الأمر والنهي.