إننا نحن نحتاج إلى النظر في ذلك الجيل العظيم الذي يحاول العلمانيون الآن طمس عظمته بدعوى أنهم رجال ونحن رجال.
كتب أحد الكتاب العلمانيين مقالة يقول في ضمنها: إن أبا هريرة رضي الله عنه كان رجلاً يمشي على ملء بطنه مع النبي عليه الصلاة والسلام، وكان همه الأكل والشرب، وكان مزاحاً، ولو أن أحداً أعطاه مالاً أو أطعمه فإنه على استعداد أن يحدثه بأحاديث لم يقلها النبي عليه الصلاة والسلام!! ثم شرع الكاتب يأتي بأحاديث تخالف العقل عنده، وهي عند البخاري ومسلم مثلاً، ويقول: هذه لا يمكن أن يقولها النبي عليه الصلاة والسلام، كحديث: (إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليغمسه)، مع أن هذا الحديث رواه أبو سعيد الخدري أيضاً!! ويقول: إن العالم يعيرنا بهذا الحديث العالم الآن يطرد الذباب لمضرته، ونحن نقول: (إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليغمسه) أي: أن في الحديث دعوة من الرسول عليه الصلاة والسلام لاصطياد الذباب انظر إلى هذا الكلام! مع أن الحديث لم يقل: أسقط الذباب، لكنه قال: إسقاط الذباب وأسقطه، لكن قال: (إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليغمسه؛ فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء).
هب أن رجلاً فقيراً معوزاً، وبعد طول جهد اشترى أكلاً أو شراباً معيناً، فسقط فيه ذباب، فهل يُمنع هذا الرجل بعد هذا الجهد أن يأكل هذا الطعام الذي يشتهيه؟ إذاً من الممكن أن يغمس الذباب ثم يأكل أكله أو يشرب شرابه بدون حرج.
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام ما ألزمك أن تأكل الأكل الذي سقط فيه الذباب، لكنه ألزمك بغمس الذباب، فغمس الذباب واجب؛ لكن أكل الأكل ليس بواجب، فإنه لم يقل أحد قط: إنك لا بد أن تأكل الأكل الذي سقط فيه الذباب، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فليغمسه) إذاً: غمس الذباب هو الواجب، وبعد ذلك اعمل في طعامك ما شئت، وإذا جاء بعدك رجل لم يعلم أن هناك ذباباً سقط فيأكل وهو مطمئن.
والسر في غمس الذباب: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال -كما في سنن أبي داود في طريق من طرق الحديث-: (فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء)، أي: أن الذباب يسقط على الجناح الذي فيه الداء، فعندما تغمس الذباب، هذه القوة مع مقاومة السائل ينفجر بها الكيس الآخر الذي فيه الدواء، فينزل الدواء فيقضي على الداء، فكأنه ما سقط فيه شيء.
فيقول هذا الكاتب: هذا عار علينا أن نقول للعالم: إننا نُسقط الذباب في الطعام؛ فإنهم سوف يستقذروننا ويتركون ديننا، والإسلام نظيف، والرسول عليه الصلاة والسلام نظيف، وديننا دين النظافة إلى آخر ذلك الهراء.
ثم يقول: هذا الكلام سيطبع في أذهان الناس أن هذا دليل على أن أبا هريرة رجل يكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام، فأنا إذا علمت أن أبا هريرة بهذه المثابة فإنه يقل اقتدائي بهذا الرجل!!