فإن استطعت ألا تبتلى إلا في الله فافعل؛ لأن هذا له ثمرة، حيث إن الله غالب على أمره، أنت لن تخرج من قبضة الله أبداً، وإذا ابتليت في الله فلك بشارة، قال صلى الله عليه وسلم: (كذلك نحن معاشر الأنبياء نبتلى، ثم تكون العاقبة لنا) هذه هي البشارة، وإذا خيرت بين أن تعصي الله عز وجل، وأن يأتيك الرزق بالمعصية أو تبقى مستقيماً مع عدم توفر وظيفة، فاختر الطاعة ولا تتردد، إن قيل لك: إن الوظيفة الفلانية لن تأخذها إلا أن تحلق لحيتك، فلا تحلقها أبداً، وسيجعل الله لك مخرجاً، قد جعل الله لكثير من عباده مخارج ما خطرت على قلب واحد منهم، وأهلك أعداءه من محل الأمن وما خطر على قلب واحد منهم أن يهلك من هذا الباب، {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ} [القلم:44 - 45] فتجد الإنسان يضرب بيد من حديد ويحكم القبضة ويظن أن الأمر آل له، والله عز وجل يقول: {وَأُمْلِي لَهُمْ} [القلم:45] أدعهم في طغيانهم يعمهون ويستمرون، {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:45]، وإذا كاد الله أحداً غلبه وأهلكه، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:15 - 16].
كلما يحصل شد يحصل انفجار، وهم يعترفون بهذا، فالرسم البياني للصحوة الإسلامية الأثرية التي تنتسب إلى القرون الثلاثة المفضلة يبين أنها كل يوم تزداد، واتسع الخرق على الراقع، فالذي كان يضرب على قفاه إذا بكى يسكت، الآن لا يسكت، بل هو صاحب ساعد قوي يستطيع أن يضرب ولو كانت ضربته أقل تأثيراً من غيره، وابنك الذي كان يأخذ حاجته بالصراخ أمس كبر وصار له ساعد، صحيح أنك أقوى منه، ولو ضربته ضربة لقلعت له عيناً، ولكنه سيضربك ولو كانت ضربة لا تؤثر فيك، وهذا انتصار ومكسب، أن يمد يده ولو كانت ضعيفة، وهذا الذي يضربك الآن بيد رخوة غداً يشتد ساعده، وأنت بطبيعتك تكبر وتكبر، ثم يستدير القمر ويعود محاقاً بعدما كان بدراً، {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [يس:68] فيشتد ساعد هذا ويضعف ساعدك، فإذا ضربك قلع لك عيناً، وإن ضربته فلن تؤثر فيه، فلا تهاجمه، وأعطه جزءاً من المشاركة تكفى شره بذلك، ولا يفعل هذا إلا عاقل، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.