أيها الإخوة الكرام: جلس عون بن عبد الله بن عتبة مع عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فقص عليه حكاية، قال فيها: بنى ملك مدينة، وصنع طعاماً ودعا الناس إليه، ثم بث في الناس عيونه وأوقفهم على الأبواب، فكلما دخل رجل ونظر إلى المدينة سألوه وهو خارج: هل رأيت عيباً؟ فيقول: لا، حتى جاء في أخريات الناس قوم أصحاب أكسية -أي: قوم من الزهاد، ومعنى أكسية: ملابس مرقعة- فطعموا، فلما خرجوا سألوهم: هل وجدتم عيباً؟ قالوا: وجدنا عيبين، فأخذوهم إلى الملك، فقال لهم الملك: هل وجدتم في مدينتي عيباً؟ قالوا: وجدنا عيبين: أما العيب الأول: فإنها تخرب، والعيب الثاني: أن بانيها يموت.
فقال لهم الملك: وهل هناك دار لا تخرب ولا يموت بانيها؟ قالوا: نعم، الجنة، فقال: خذوني معكم، وانخلع من ملكه وسار معهم.
فلما سمع عمر بن عبد العزيز ذلك، ارتعدت أركانه، ووقع الكلام منه موقعاً عظيماً، وهم أن يخلع نفسه من الخلافة، فعلم ابن عمه مسلمة أنه يريد أن يترك الخلافة، فجاء فناشده الله، قال: لو تركت الخلافة لاقتتلوا عليها ولوقع شر في الأمة.
قال: ماذا أفعل حمِّلت ما لا أطيق؟ فجعل مسلمة يراجعه حتى سكن.
إنها الجنة التي ينبغي أن يعمل لها العاملون، ينبغي أن نضحي في سبيل الله، حتى تكون من أهلها، إنها أنفاس معدودة، إنك يا عبد الله لا تدري أين ستكون غداً؛ ستكون غداً في عداد الموتى، ويجري على لسان الناس: فلان رحمه الله.
هذه الجنة -أيها الكرام- ينبغي أن نعمل لها، فإن العبد لا يتحمل لفحة من عذاب الله، ماذا تقولون لربكم إن قال لكم: استأمنتكم على ديني، فماذا فعلتم؟ شيدتم مجدكم، وبنيتم لأنفسكم، وأسكنتم أحفادكم؟ فاليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي، وأقرب مني عبادي.
الجنة لا عدل لها، فلأي شيء تعمل أيها الأخ الكريم؟ إن الله تبارك وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وقد أعطاك المصباح، كن وفياً مع الصحابة، فالوفاء للصحابة ضرورة، وحبهم فريضة، إنه فرض عين على المسلم أن يحب هؤلاء الصحابة، وأن ينقل هذا الحب إلى أبنائه، هذا واجبنا.