الفائدة الثانية: جواز كتم العلم عن من يظن ضرره إذا بلغه هذا العلم؛ لأنه قال: (خلِّ الناس يعملون) لئلا يغتر رجل بظاهر هذا الحديث فيترك العمل اتكالاً على القول، فيجوز أن تكتم مثل هذه البشارات عمن تظن أنه إذا علم بها اغتر وقل عمله وجده، فـ معاذ بن جبل قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ! قال: لبيك رسول الله وسعديك! قال له: يا معاذ! -وهو رديفه على الحمار يعني: يركب خلفه- يا معاذ! قال: لبيك رسول الله وسعديك، ثلاثاً -كل هذا ليستجلب انتباه معاذ - قال: لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه الله على النار، فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً)، لما جاءت المنية معاذاً أخبر بهذا الحديث خشية أن يقع في إثم كتمان العلم، وإلا فـ معاذ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أفلا أبشر الناس؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إذاً يتكلوا) أي: يتكلوا على مجرد القول فيتركون العمل.
فهذه من الفوائد المنثورة في حديث أبي هريرة ونسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ما قلناه وما سمعناه بقبول حسن، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، رب آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.