الرد العقلي على من طعن في الصحابة بحجة أنهم غير معصومين

وهذا كقولنا: - أليس الله عز وجل على كل شيء قدير؟ - نعم.

الله على كل شيءٍ قدير.

- وهل هو قادر -مثلاً- على أن يخلق رجلاً بمائة ألف رأس أم غير قادر؟ - نعم.

هو قادر.

- وهل هو قادر على أن يجعل في كل رأس مائة ألف فم؟ - نعم.

قادر.

- وهل هو قادر على أن يجعل في كل فم مائة ألف لسان؟ - نعم.

قادر.

- وهل هو قادر على أن يجعل كل لسان يتكلم بمائة ألف لغة؟ - نعم.

قادر.

- لكن هل حصل هذا؟! - لم يحصل.

فهو قادر على كل شيء، لكن مثل هذا لم يحصل، وهذا هو الموضوع.

فنحن لا ننازع الآن في مسألة: أن الصحابي يغلط أو لا يغلط، فهو ليس بمعصوم، لكن نحن نناقش ونقول: هل أخطأ الصحابي في هذا الموضع أم لا؟ هذه هي المسألة.

إن العقل خياله واسع، ويتخيل كل شيء، لكن هل ما يتخيله العقل موجود في الواقع أم لا؟ لو فتحنا باب التجويزات العقلية لضاعت الدنيا قبل الدين، ودائماً تضرب الأمثال بمثل هذا.

مثلاً: نحن نقول: هل هناك امرأة في الدنيا الآن -في دنيا الناس الآن- معصومة من الزنا، مهما كانت عفيفة وشريفة؟ توجد امرأة معصومة، لأنك لو قلت: بل هناك امرأة معصومة، فنقول لك: هات دليل العصمة، ودليل العصمة لابد أن يكون شيئاً مقطوعاً به: أن المرأة الفلانية معصومة من الزنا، أي: أنه مستحيل أن تزني.

إذاً: نقول: لا يوجد امرأة معصومة من الزنا.

افترض أنت -يا أيها المعترض، الذي تزعم أنك تفكر بعقلك- أن لديك خمسة أولاد، فهل تستطيع أن تثبت لي أن هذا الولد هو ابنك؟ ألا يمكن أن تكون هذه المرأة أخطأت مرة وأتت بهذا الولد من شخص آخر أم أن هذا مستحيل؟ عقلاً: ممكن، فأنا أقول: إنه لا يوجد امرأة معصومة من الزنا، فمن الجائز أن المرأة تغلط غلطة فتكون غلطة العمر، وما غلطت غيرها، ولكن هذه الغلطة أتت بولد.

فأنت الآن تنسب الأولاد بمنتهى التبجح وراحة القلب لماذا وامرأتك ليست معصومة من الزنا؟! امرأة ولدت ولداً لثمانية أشهر، فقالوا: لابد أن تضعه شهراً في الحضانة، فأدخلته المستشفى، وهناك في المستشفى مائة ولد، ولم تعرف شكله ولا أي صفة له.

وبعد شهر جاءت لتأخذ ولدها، فذهبت الممرضة وأتت بولد غير ابنك، فهل من الممكن أن تغلط أم لا يمكن؟ أم أنها معصومة من الغلط؟ قد تغلط؛ بدليل أنها إذا أحضرت لك ولداً ليس ولدك، وقالت: خذ ابنك.

فإنك تأخذه منها ولا تشك إطلاقاً أن الولد هذا ربما لا يكون ابنك أبداً، بل بالعكس؛ لو جاء إنسان فيما بعد وقال لك: إن هذا الولد ليس ابنك؛ لربما قتلته مباشرة، فكيف يتكلم هذا الكلام ويطعن في الأنساب إلخ؟ مع أن العقل يجوز أن هذه المسائل كلها تقع.

ومع ذلك تقف سداً منيعاً دون هذه المسائل بالذات! وأحدهم ينكر أحاديث الشفاعة، وكتب مقالاً بعنوان (وما هم بخارجين من النار)، وبعدما كتبه دخل المستشفى ليعمل العملية، وكان قد كتب في المقال أنه ذاهب ليعمل عملية، وقال له الدكتور: كذا، وكذا، إلخ، أليس الدكتور هذا ربما يغلط؟ فقد يقول: لابد من عملية جراحية.

ثم يظهر أنه غلطان، والمسألة بسيطة جداً.

فهل قال للدكتور: إنك لست معصوماً وقد تغلط، فاجمع لي دكاترة المستشفى كلهم حتى يتخذوا قراراً بأنني أحتاج إلى عملية أم لا؟! لماذا لم يفعل هذا؟! ونحن لو اعترضناه وقلنا له: كيف تسلم أعضاء جسمك للدكتور الذي ربما يغلط؟!! إنهم ينسون أحياناً الفوط وغيرها في بطن المريض، فكيف تسلم نفسك لواحد قد يغلط ويفتح بطنك، لماذا سلمت له بمنتهى الطمأنينة؟ لأنه من وجهة نظرك رجل متخصص ومحترم، له ثلاثون سنة في المهنة، ولا يخطئ إلخ، فلماذا رواة الحديث فقط هم الذين تخونهم وكلما سمعت شيئاً عنهم تقول: إنهم غير معصومين، بينما تأتي إلى كل شخص في مجاله وتعتبر كلمته نهائية؟! وقد قرأت ملخصاً لكتاب نشر باللغة الإنجليزية بعنوان: (غزو الفضاء أكذوبة) مؤلفه رائد فضاء مكسيكي يعمل في محطة الفضاء الأمريكية يقول: إن حكاية وصولنا إلى القمر أكذوبة كبرى، وخدعة أمريكية مثل السينما بالضبط، ولقد آن لي أن أعترف بهذا.

وذكر حقائق خطيرة.

فنحن لو تكلمنا ستجد من يقول: هل تفهم شيئاً في الفضاء؟ افترض أن هذا عميل للموساد أو لغيره وكتب هذا الكتاب، وأنت لا تعرفه، وقد أكون أنا وأنت لا نعرف شيئاً عن الفضاء، ومع ذلك تجد الواحد منا ينافح أشد المنافحة أنهم صعدوا إلى الفضاء.

والرجل قد ذكر حقائق الله أعلم بها، ويقول: إن الوصول إلى القمر من المستحيل، فإن هناك مساحة بيننا وبين القمر درجة الحرارة فيها تبلغ أربعة ألف درجة مئوية، ومن المستحيل أن إنساناً يستطيع أن يقترب منها؛ لأنه يذوب ويصير ماء مباشرة، ومما قال: ولم أنس أنهم لما دعوا الجمهور لكي يروا الصاروخ وهو يدفع مركبة الفضاء، فصعدنا وموهنا لهم كما في السينما، ونزلنا من الباب الثاني على الاستراحة، والجماهير لا تعلم أن هذه المركبة سقطت في المحيط.

فلما يظهر شخص مثل هذا ويتكلم، فقد يقول البعض: هذا الكلام صحيح؛ لأن هذا الرجل متخصص، وله أكثر من أربعين أو خمسين سنة يعمل معهم.

إذاً: مسألة القول بأن الصحابي معصوم أو غير معصوم، هذه مسألة خارجة عن النقاش، ومن المسلم به أنه غير معصوم، لكن لابد أن نأتي على الجزئيات: فهل هو أخطأ في هذا أم لا؟ فلا بد من تحقق أنه أخطأ أو لم يخطئ، ولا بد من الرجوع إلى القواعد التي وضعها أهل كل علم.

فيأتي الواحد منهم فيأخذ حديثاً واحداً ولا ينظر إلى الأحاديث الأخرى في الباب، ويخرج لنا برأي عجيب لم يقل به أحد من العلماء؛ بسبب أنه أخذ حديثاً واحداً وترك بقية الأحاديث في الباب، فإن العلماء أكثروا من قول: (مطلق، ومقيد)، و (خاص وعام)، و (مجمل ومبين)، و (ناسخ ومنسوخ)، فالإنسان لابد أن يراعي هذه الأشياء، وإلا وقع عنده تناقض بين الأدلة.

والرجل الذي كتب قديماً أن القرآن لم يحدد يوم عرفة، أخطأ؛ لأنه لم يأخذ بجميع الأحاديث، فقال: لماذا نضيق على المسلمين ونجعل يوم عرفة يوم التاسع من ذي الحجة؟ إن ربنا سبحانه وتعالى يقول في القرآن: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:42]، والله سبحانه وتعالى يقول:: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]، أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، فإذا كان الله يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]، وأكد أن هذه هي أشهر الحج، فبدلاً من أن نذهب عند الجمرات ونزدحم ونقتل بعضنا، وكذا في طواف الإفاضة، لماذا لا نبسط المسألة: فنجعل جنوب شرق آسيا يحجون من واحد إلى عشرة شوال، وبعد ذلك أصحاب حوض البحر المتوسط مثلاً من اليوم الثالث عشر إلى الثامن عشر، وهكذا قسم الأيام والشهور، -شهور الحج- على المناطق، وجاء بهذا القول.

فجاء آخر ونسج على منواله، وقال: ما المانع أن نعمل سكة متحركة حول الكعبة بدلاً من أن يتزاحم الناس، فيركب الذي يريد الطواف على السكة وخلال دقيقة ونصف تنهي سبعة أشواط ما المانع من ذلك؟ هل هناك دليل يقول بعدم جواز ذلك؟ وقد كُتبت مقالة في الأسبوع الماضي مفادها: أن في البخاري حديثاً مكذوباً بل أحاديث كثيرة، ولابد للناس الذين يفهمون أن ينقحوها حتى يحفظوا للناس العقائد!! وما هو الحديث المكذوب؟ قال: حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام في حجر أم حرام)، وقال: كيف يكون هذا الكلام؟ وكيف يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم على امرأة أجنبية؟ وكيف يضع رأسه في حجرها؟ وهذا كله بناء على سؤال امرأة من الزوار -السواح- عن هذا الحديث، وأن فيه مشكلة، وكيف يضع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه في حجر امرأة؟ فقال لها هذا العالم: أم حرام كانت خالته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وحل الإشكال.

لكن صاحب المقال أبى أن يسلم أنها خالته من الرضاعة، والمفروض أن يحضر نسب المرأة ونسب النبي صلى الله عليه وسلم وينظر أكانت أختها هي التي أرضعته أم لا؟ ويبحث في المسألة.

لكنه يقول: إن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن المحرمات في سورة النساء، وبعد أن عدد المحرمات، قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24]، ولم يذكر في المحرمات: (وخالاتكم من الرضاعة)، فقالوا: ماذا كان سيحصل لو أن الله زاد هاتين الكلمتين؟! فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

ثم من أين يتطرق إلى الحديث وهو بأصح الأسانيد؟ وعندما نقول: إن الحديث موضوع.

لابد أن نذكر جهة وضعه.

ومن قال: أنه موضوع.

فمن وضعه وكذبه؟ لابد أن يجتهد ويقول: فلان هو السبب، أما أن يقال: حديث موضوع، وأي إنسان في الدنيا يستطيع أن يدعي هذه الدعوى بلا برهان.

وابن عبد البر -الإمام العلم المفرد- لما ذكر هذا الحديث تكلم بكلام أهل العلم، وقال: (إن بعض الناس قال: إن هذه خالته من الرضاعة، وبعض الناس قال بغير ذلك، ثم قال: وسواء كان هذا أو هذا فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعل ما حرم الله)، وذهب الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري إلى أن دعوى الخصوصية في الحديث قوية، وأن هذا الحديث يحمل على أنه من خصوصيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه كان يملك إربه صلى الله عليه وسلم، ثم إنه لا تعرف الخيانة إليه سبيلاً.

وسأذكر موقفاً حتى نعلم خلق الرسول عليه الصلاة والسلام: ورد في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم حدَّث وهو جالس مع بعض أصحابه وفيهم عمر فقال: (دخلت الجنة البارحة -يعني في المنام- فرأيت قصراً وعليه جارية تتوضأ، فقلت لمن هذا القصر؟ قالوا: لـ عمر.

قال: فلما ذكرت غيرتك يا عمر وليت مدبراً، فبكى عمر وقال: يا رسول الله! أعليك أغار؟!).

فانظر إليه وإلى وفائه لأصحابه، حتى وهو نائم! دخل الجنة فلما رأى جارية عمر، وهو يعرف أن عمر بن الخطاب يغار؛ أعرض، وقال: (وليت مدبراً) فبكى عمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015