إن غيابَ العلماء الربانيين من أعظم المحن التي تبتلى بها الجماهير؛ لأنه بقدر غياب العالم يكون غياب علوم النبوة، وبقدر غياب علوم النبوة يكون الجهل الفاشي في الناس، فيَلْقَون الله عز وجل لا يعرفون كثيراً مما أمروا به، ولا يعرفون كثيراً مما سن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذه المحنة -محنة الأبواب الثلاثة والسبعين باباًَ، والموجودة أمامنا جميعاً- محنة عظيمة جسيمة، والخلاص منها طريق: (ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
إذاً: لابد من دراسة زمن النبوة، لنعرف كيف كانوا يفقهون ويختلفون؟ وكيف كانوا يتسامرون؟ ونحن نمثل مثالاً لذلك، وربما الكثير يعرفونه: فنقول: إن العلاقة بين الواقع والمثال مثل الهرم أو مثل المثلث حاد الزاوية.
الواقع: الذي هو واقع المسلمين وتطبيقهم لدينهم.
المثال: الذي هو النص: قرآناً وسنةً.
الضلع الأول: الواقع.
والضلع الثاني: المثال.
طيب! النقطة التي هي رأس المثلث لا أبعاد فيها، ليس فيها طول ولا عرض، ولا مسافات، وإذا سلَّمنا أن لها مسافات فهي مسافات لا تكاد تذكر في عالم الأرقام.
نبدأ نلاحظ المسافة بين الضلعين النازلين من النقطة، فنجد أنه كلما تنزل تزداد المسافة بُعداً بين الضلعين.
فما هو المطلوب منك؟ الطلوع أم النزول؟ إذا نزلت سترى المنكر معروفاً والمعروف منكراً، وسترى الناس يدورون بين بدعة ورِدَّة.
مثلاً: رجل لا يصلي، فلما تنصحه يقول لك: يا أخي! أنا رضي الله عني! يوجد من الناس من يزني، وفلان يسرق، وفلان يرتشي، وفلان يأكل الربا إلخ.
أو أن تجد شخصاً يسبح -مثلاً- على المسبحة فتقول له: يا أخي! التسبيح بالأنامل أولى، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (اعقدن التسبيح بالأنامل؛ فإنهن مسئولات مستنطقات)، فيقول لك: رضي الله عني، فالناس غافلون عن هذا وهم سادرون في غيهم؛ في الملاهي والمقاهي! مع أن المسبحة كانت منكرة عند السلف رضوان الله عليهم.
كلما نزلت إلى تحت ترى تدنياً، فأصبح من هذا حالهم يتأسون بالشر، مع أنه لا أسوة في الشر، يعني: الموظف الذي اختلس مائة ألف، ومسكوه أمام المحكمة وحاكموه، يقول: وما هي المائة ألف هذه؟ هناك شخص أخذ أربعة ملايين.
فانظر: المقارنة هل تقبل منه؟! لكن الصحابة لم يكونوا هكذا، والصحابة مثالهم عالٍ رفيع، وإنما يحصل نوع من التدني في الأسوة كلما نزلت إلى تحت.
إذاً: حتى تنجو أنتَ وينجو أولادك اطلع إلى فوق، وماذا يعني تطلع إلى فوق؟ فلنضرب لهذا مثلاً: وهو المثلث فهذه النقطة التي في الأعلى هي زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لا أبعاد فيها، ولا اختلافات.