صلاح الآباء أول طريق إلى جيل التمكين

لما كانت سنة الآباء كذلك، كان واجباً علينا أن نبصر الآباء الذين يبحثون عن جيل التمكين بحقيقة الرسالة التي ينبغي أن يبصِّروا الأولاد بها.

ولا تظن أن ولدك أعمى! ولدُك ينظر إليك مثل الكاميرا المسجلة، قد تفعل الفعل ولا تنظر إليه ولا تأبه له، فيأخذ الولد منه الأسوة والقدوة، كما قال الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه ما ضيع أبا طالب إلا الآباء، ورفقة السوء، روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سعيد بن المسيب بن حزن عن أبيه المسيب، قال: (لما حضرت أبا طالب الوفاة جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وعنده عبد الله بن أمية وأبو جهل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أدفع لك بها عند الله -أُحاج لك بها- فقال أبو جهل: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب، أترغب عن ملة آبائك، فلا زالا يقولان له ذلك حتى كان آخر قوله: أنا على ملة عبد المطلب).

عبد المطلب كان رجلاً شريفاً في قومه، والفخر بالأنساب أصله الاعتزاز بالآباء، وقد جاء الإسلام فأبطله، وأنت تلحظ في دنيا الناس! يُسَب الله عز وجل بأقذع السباب، فيسمع السامع فيكتفي بأن يقول: أستغفر الله العظيم، أستغفر الله العظيم فقط، ولو أن هذا الساب سب والد ذلك السامع ما اقتصر على الاستغفار، بل لدخل معه في معركة، ولربما فقد حياته دفاعاً عن والده.

لذلك قال الله عز وجل: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} [البقرة:200] لما في نفس الولد من تعظيم الوالد، فـ عبد المطلب كان رجلاً شريفاً في قومه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينتسب إليه، بل كان يرتجز ويقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ولما كان يجيء الرجل من البادية مسلماً، فكان يسأل عن محمد بن عبد المطلب، فكان لـ عبد المطلب هذا الشرف، وهذه العراقة عند العرب، وكان العرب إذا احتقروا إنساناً نسبوه إلى جد غامض لا يُعَرف، كما قال أبو سفيان في الحديث الذي رواه البخاري في أوائل صحيحه عن ابن عباس -حديث هرقل - قال أبو سفيان لما دخل على هرقل وجعل يسأله عن الرسول عليه الصلاة والسلام وماذا يقول، كان من جملة ما قال أبو سفيان بعد أن قال هرقل: (فماذا يأمركم؟ قال: يأمرنا أن نعبد الله وحده، ونترك ما كان يعبد آباؤنا -يعني أوردها على سبيل الاستنكار، أنحن نعبد الله وحده ونترك ما كان يعبد الآباء؟ أوردها أبو سفيان مستنكراً- فقال هرقل: لو كنتُ أعلم أني أخلص إليه -بلا مشاكل من قومي- لأتيته فغسلت موضع نعله، وإن صح ما تقول ليملكن موضع قدمي هاتين، فخرج أبو سفيان وهو يقول: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة)، من يقصد بابن أبي كبشة؟ يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام وأبو كبشة جد أمه الأبعد وهو غير معروف.

فلما أحبَّ أن يسبه لم يقل: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن عبد المطلب؛ لأن النسبة لـ عبد المطلب شرف، وهو لا يريد أن يشرفه، هو يريد أن يسبه، فنسبه إلى جد غامض لا يُعْرَف.

ولذلك الأنساب كانت لها قيمة عند العرب، وهذا كله طَبْعٌ على الافتخار بالآباء وتعظيم الآباء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015