العالم هو الذي يصلح حياة العوام، والعوام بغير عالم في محنة عظيمة جسيمة أعظم من عدم وجود طبيب في بلد يفشو فيها الوباء.
العلماء هم البقية الباقية الذين يعرفون الناس برب الناس، لا أحد يعرف الله حق معرفته إلا العلماء كما قال تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28].
فهذا العالم هو الذي يعرف العوام بربهم، فعندما يكون هناك طعن في العلماء وإزراء بهم يقل قدر العالم عند الناس.
والعجيب أن هناك رجلاً نشر كتاباً فيه إزراء بالعلماء جمع فيه كل الشواذ والطوام التي وقف عليها في قراءته ضمن هذا الكتاب، فمن الأشياء التي ذكرها أنه: ذَكَر عن الشاطبي رحمه الله -وهذه الواقعة موجودة فعلاً في كتاب الموافقات للشاطبي - يقول: إنه كان هناك مفتٍ كبير في الأندلس، وكان صاحب مال كثير، وكان يحتال حتى لا يخرج الزكاة، وكان له أبناء، فقبل أن يحول الحول بيومين أو ثلاثة يجيء بأولاده ويقول: والله يا أبنائي أنا كبرت سني، والإنسان لا يعرف الحياة من الموت، وأنا قررت أوزع عليكم أموالي.
والله يا أبانا فعلتَ خيراً -والعيال متفقون مع الوالد- عملتَ خيراً والله، وجزاك الله خيراً.
ويأخذون الأموال، وبعد ما يحول الحول بشهر يزورونه ويقولون: يا أبانا! أنت ما زلت لم تمت إلى هذا الوقت، ونحن نؤمِّل طول عمرك، ونأمل سلامتك، ولا نقبل أبداً أن نستمتع بالفلوس وأنت حي، تفضل خذ مالك.
فيرجعون المال إلى أبيهم ثانيةً بعد أن يحول الحول.
الأندلس أو الأمة الإسلامية إذا كان فيها عالم أو اثنان أو ثلاثة يعمل مثل هذا الفعل، فأين بقية العلماء الصالحين الذين ما كانوا يداهنون ولا كانوا يبيعون دينهم أبداً بعرض من الدنيا.
هذا الحسن البصري لما سئل عن قول الله تبارك وتعالى: {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران:187] قال: الثمن القليل الدنيا بأسرها.
الدنيا بأسرها لا تساوي آية هدى ولا نصف آية هدى ينزلها الله تبارك وتعالى.
فعندما يعرضون هذه النماذج السيئة ليس قصدهم إلا أن تقل مكانة العلماء في نفوس العوام، فإذا صدرت فتوى من عالم لا يعيرها الجماهير التفاتاً.
وهناك مقال كتبه أحدهم يقول فيه: الرسول صلى الله عليه وسلم مات بالزائدة الدودية! أنا أريد أن أعرف ما هو قيمة البحث في هذا؛ والعجيب أنك أول ما تأتي تنظر في الكتاب تجده بحثاً علمياً محضاً، نحن كلما نذكره نقول: عليه الصلاة والسلام، ونحن نوقره ونبجله أكثر منكم؛ لكن نحن ربما نتوصل إلى شيء يفيد العلم، فهؤلاء لم يجدوا إلا جثة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يشرحوها؛ وربما غداً يطلع مرض جديد، وبعده يطلع مرض جديد، ومع كل مرض يتكلمون عنه عليه الصلاة والسلام كما لو كان إنساناً عادياً جداً.
لابد من توقير الرسول عليه الصلاة والسلام ومهابته، وإن أحد مس من جنابه الشريف ولم تعترض الأمة على ذلك فإن توقير الرسول صلى الله عليه وسلم يزول شيئاً فشيئاً، فهذه المقالات بعد قرن تجني ثمارها يأتي أناس عندهم نفس طويل جداً.
فيعرضوا حياة الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه السرعة على الجرائد والمجلات، فيبقى عندهم من السهل جداً أن يقولوا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام مات بالزائدة الدودية، وقد يستطيل الكلام إلى أكثر من ذلك، فتتكلم الأمة في رسول الله كلاماً لا توقره ولا تبجله فيه.