Q هلا علقتم على قول البعض: كيف نفعل فعل السلف في الطلب مع مشاغل اليوم الكثيرة، وقد نقل عن الشافعي قوله: لو كلفني أهلي بشراء بصلة لما طلبتُ العلم.
صلى الله عليه وسلم أولاً: هم كانوا في الشغل أكثر منا، بل لم يكن عندهم من الفراغ وسهولة الحركة مثل ما عندنا في حياتنا اليوم، أي: أنت تستطيع الآن أن تصل إلى أبعد بلاد الدنيا في ساعات قليلة، بينما هو إذا خرج من بلده ولتكن مصر مثلاً أو الشام، أو كان مثلاً من بلاد الأعاجم وأراد أن يصل إلى مكة والمدينة كان يقضي شهوراً، وأنت الآن تقطعها في ساعات، فهذا الوقت المختصر ماذا تفعل به؟ لا شيء، فهم كانوا أكثر شغلاً منا، وكانوا مع ذلك أرق حالاً منا، لكن المسألة تتوقف على الهمة.
وقول الإمام الشافعي لو صح عنه يشير إلى أن المرء لو اشتغل بالمعاش عن العلم، ولكن هل كان الإمام الشافعي عاطلاً، ما كان يعمل شيئاً قط؟ كان الإمام الشافعي يسعى في معاشه، لكن كان يختصر غالب حاجاته ويستغني عنها لطلب العلم، فتجد أنه قد يقصر في حظ نفسه، وفي جلب الطعام الجيد والفراش الوثير وهذه الأشياء لطلب العلم.
وأذكر في هذا العصر للشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله، أنه قال: إنه كان لديه محل ساعات، ولكن كان يعمل في اليوم ساعة واحدة أو ساعتين، بمقدار ما يعيشه ذلك اليوم، ثم يغلق المحل وينطلق إلى المكتبة الظاهرية، فيقضي فيها عامة يومه ولا ينقلب إلا قرابة نصف الليل.
لكن عندما يكون للإنسان مطامع، يريد أن يحسن هنا ويفعل هنا وكذا ما تفقه، فلعل قول الإمام الشافعي يحمل على أن المرء إذا جعل همته في طلب الدنيا لا يفلح في طلب العلم.
فلو أن أحدنا يسعى في معاشه كل يوم ثماني ساعات، فيبقى عنده ثماني ساعات ينام فيها، ويبقى له ثمان ساعات، فلو كان عنده ذهن وإقبال ونهم فهذه الساعات تكفيه.