نقول هذا الكلام لأهل البدع الذين يفعلون شيئاً لم يؤمروا به، وليس لهم دليل ولا أثارة من علم، لا من كتاب منير ولا من سنة بينة، ويفعلون ذلك يتقربون به إلى الله، هؤلاء عصاة وإن قصدوا الخير، فالخير ما أمر الله به ورسوله، والله عز وجل قد أتم النعمة وأكمل الدين، فكل مفترٍ على الله عز وجل بإثبات أمر لم يأمر به الله عز وجل فهو مذنب: (إني قتلت نفساً لم أومر بقتلها) لا تقل: هذا عمل خير، لو كان خيراً لدلك النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
إن المبتدع يقول بلسان حاله: أنا أستدرك على النبي صلى الله عليه وسلم ما فاته، كل عمل يبتدعه المرء لا أجر له فيه بل هو مأزور، لا بد أن يسأل عن الهدى والإيمان كما يسأل عن رغيف الخبز.
البدعة: فعل شيءٍ حادثٍ لم يؤمر به المرء بكيفيةٍ مخصوصةٍ في زمان مخصوص يتقرب به إلى الله، وهذا ضابط البدعة المذمومة.
أن يفعل الشيء يتقرب به إلى الله.
أما إذا فعل الشيء لا يقصد به القربى فهذا ليس من البدع المذمومة، مثل: التوسعة في ليلة عاشوراء كتجهيز كعك العيد أو المواسم التي يذبحون فيها ويوسعون على أنفسهم، بعض المتسننين يرفض الأكل والتوسعة في هذه الليلة، يقول: لا.
هذا بدعة، نقول: البدعة لا تكون إلا إذا قصد بالأكل التقرب إلى الله، أما إذا قصد التوسعة على نفسه ويأكل فقط فهذا ليس من البدعة في شيء؛ لأنه يُشترط في البدعة المذمومة المستقبحة شرعاً أن يتقرب المرء بها إلى الله، لكن مثلاً كعك العيد ليست بدعة مذمومة ومحرمة؛ لأنهم لا يتقربون بأكل الكعك إلى الله، ولكن الآفة في هذا أنهم يضيعون على أنفسهم العشر الأواخر، يسهرون الليل في تجهيز العجين في هذه المعجنة وعباد الله المتقون يصفون أقدامهم بين يدي رب العالمين، هذه هي الآفة في هذا الأمر لكنها ليست بدعة، إنما البدعة -كما شاهدت بعض الناس يفعلها- أنه بعد الصلاة إذا أراد أن يدعو الله يسجد ويدعو، لماذا تسجد يا فلان وتدعو هكذا؟ يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) ويقول الله تبارك وتعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19] فهذا الوضع اقتراب من الله، فأنا أريد أن أكون قريباً من ربي حال دعائي واستغفاري.
فنقول له: لو كان المفهوم من الآية والحديث ما فهمتَ ما تركها النبي صلى الله عليه وسلم، إنما المقصود بالسجود في الآية والحديث: الصلاة، والتعبير هنا عن الصلاة بجزء من أجزائها: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19] أي: صلِّ، وقوله: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) أي: في صلاته؛ لكن السجود المطلق بعد الصلاة فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم، ولا أعلم أحداً من الأئمة المتبوعين أفتى باستحبابه، إذاً: هذه بدعة وإن قصد بها الخير.
فكل فعل لم يؤمر به المرء فيفعله يتقرب به إلى الله عز وجل وليس عليه دليل فهذا مذموم.