الخاص مقدم على العام

إذا كانت لدينا مسألة خاصة نريد تحرير الكلام فيها: لا نأتي بالأدلة العامة فنحتج بها على ذلك الخاص، بل لا بد من دليل خاص.

مثال: قال الله تبارك وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:3] الميتة هنا: لفظ يفيد العموم، يعني: جميع أنواع الميتة حرام، وجميع أنواع الدماء حرام.

إذاً: هذا لفظ عام.

هل جميع الدماء حرام؟

صلى الله عليه وسلم لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أحل لنا دمان: الكبد والطحال) والكبد هي دم، والطحال هو دم.

فإذاً: عندنا هذا الحديث خصص بعض أنواع الدماء من الآية الكريمة، وكذلك عندنا ميتة السمك والجراد، فهذه تخصص من الميتة الموجودة في الآية.

فكيف نفهم الآية إذن؟ حرمت عليكم الميتة إلا السمك والجراد، والدم إلا الكبد والطحال.

أنا أقدم بهذا المثال لكي نصل إلى القضية التي ذكرتُها إذا كان هناك نوع محرم من الدماء، وجاء الإذن لك بأكل الدماء أو بشربها فلا تقل: أنا عندي الأمر العام بشرب الدماء! لماذا؟ لأن النهي جاء خاصاً، فهو يعمل في مكانه، والعام ليس بحجة على الخاص، إنما الخاص هو الحجة على العام، ولذلك خصصنا العام بالخاص، يعني الآية ليست عامة (حرمت عليكم الميتة والدم) خصصنا عموم الميتة بالحديث، وخصصنا عموم الدم بالحديث، فالمخصص هو المقدم دائماً.

إذاً: إذا كانت هناك قضية خاصة لا تحتج عليها بالأدلة العامة؛ لأن هذا ليس من الرد إلى الله ورسوله، إذا سمعت قوله تبارك وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:3] وقلت: ما هو حكم الدم الموجود في الفراخ بعدما نذبحها؟ فإننا نغسل الدجاجة أو البط ونجد دماً في العروق، ما هو حكم هذا الدم؟ والدم كثيره وقليله حرام لماذا؟ لأن الآية ما فرقت بين قليل ولا كثير.

فما هو حكم الدم؟ نحن نريد دليلاً، نريد قول الله ورسوله في الموضوع، يأتي العلماء يقولون لك: إن هذا الدم معفو عنه.

ما هو دليل العفو؟ قوله تبارك وتعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام:145] إذاً: المحرم هو الدم المسفوح الذي يصب صباً، الذي ينزل من العروق مصبوباً، هذا هو الدم المسفوح، إذاً: الدم المحرم هو المسفوح، غير المسفوح معفو عنه.

إذا كان متجمداً مثل الكبد -فهو دم متجمد وليس مسفوح- فقد خرج من الدم المحرم.

كذلك الدم الموجود في العروق ليس مسفوحاً بطبيعة الحال؛ لأنه لا يصب، هو بقايا دماء موجودة في العروق.

إذاً: لما رددنا إلى الله ورسوله على القواعد التي ذكرها أهل العلم أصبنا الحق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015