أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لماذا سادوا ووصلوا؟ كانوا لا يتعبدون بالخلاف، بل كانوا يتحاشون الخلاف ما أمكن، فإذا اختلفوا فكان الله تبارك وتعالى يقي شر هذا الاختلاف بإخلاصهم في طلب الحق، فإن التعبد بالخلاف جريمة، الصحابة ما كانوا يفعلون ذلك، ولذلك حدثت المواقف العظام التي لو حدث عشرها، بل عشر معشارها لطارت فيها رقاب الآن.
سقيفة بني ساعدة يا لها من موقعة! يا له من موقف حدث للمسلمين بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام! كان النبي صلى الله عليه وسلم ملء السمع والبصر، ما كان أحد يتصور أن يعيش بدونه كما قال أنس بن مالك: (جاء النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً فأضاء منها كل شيء، فلما دفناه أظلم منها كل شيء) انظر إذاً واحد يعيش مع هذا النور، لا يتصور أن يعيش لحظةً بدونه، وفجأة فقده، فجأة صار يمشي ولا يراه، بالله كم تكون مصيبته؟ إنها أعظم المصائب؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب) فإنك لن تصاب بأعز منه، ولا أجل منه، ولا أفضل منه، لن تصاب بأعز منه أبداً، فتصور الذين عاشروه وعايشوه ورأوه، فجأة فقدوه كانوا إذا ادلهمت عليهم الخطوب ذهبوا إليه فسألوه، الآن مات عليه الصلاة والسلام ولم يفصل في المسألة من يكون الخليفة من بعده، وارتدت العرب، وبدأ الناس يتفلتون، واختلف المهاجرون والأنصار في من يمسك هذا الأمر، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، الأنصار يقولون: نحن أولى بهذا الأمر، نحن أهل النصرة وأهل الدار والإيمان.
وأبو بكر يقول: بل نحن الأمراء وأنتم الوزراء.
ومرت ثلاثة أيام، تركوا النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة أيام لا يدفنونه بسبب هذا الأمر، ما دفنوه ثلاثة أيام؛ بسبب اختلافهم.
كان يمكن أن تطير فيها رقاب، لا سيما مع حرص الناس على الإمارة، وهذا شيء مفطور في الإنسان.
واختلف المهاجرون والأنصار، وظلوا يختلفون ثلاثة أيام، حتى جاء عمر بن الخطاب مع أبي بكر الصديق إلى سقيفة بني ساعدة، وكان أبو عبيدة بن الجراح معهما، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: بل نحن الأمراء وأنتم الوزراء، إني اخترت لكم أحد هذين الرجلين: عمر أو أبا عبيدة بن الجراح.
قال عمر: فأخذت بيد أبي بكر فقلت: ابسط يدك فلأبايعك.
فبسط يده، فبايعته فبايعه الناس، قال عمر -وقد وصف هذا الذي حدث-: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها؛ لماذا؟ لأن الكل مخلص في طلب الحق.