أعظم الصبر هو الصبر عن معصية الله عز وجل، أحياناً الإنسان من يأسه وضجره من نفسه ومن المجتمع الذي حوله يبدأ يشغل نفسه بأشياء من اللهو الباطل، ويضيع حياته، لا يا أخي الكريم! كن منارة لهؤلاء الأصحاء الذين لا يشعرون بالنعمة العظيمة التي يتنعمون بها ليل نهار.
رجل من الأعيان ومن أغنى الأغنياء في مدينة القاهرة، ابتلاه الله تبارك وتعالى بمرض خبيث -نسأل الله أن يعافينا وإياكم منه! - فقطعت ساقاه، ومع ذلك هذا الرجل -والله- نزوره لننظر إلى وجهه فقط، فنرى الرضا على وجهه، ولسانه ينطق بالرضا، ومع ذلك لم يرزق ولداً، وله إخوة في غاية العقوق، أخوه يسكن في الشقة المقابلة له في نفس العمارة التي يمتلكونها، يقسم لي بالله أن أخته تظل ثمانية أشهر لا تأتيه، ولا تسأل عنه وبين الباب والباب متر واحد فقط، ثمانية أشهر لا تأتيه، ويدخل في غيبوبة ويفيق من الغيبوبة ولا تأتيه، ولا يأتيه أولادها، ومع ذلك فالله تبارك وتعالى جعل أفئدة الدعاة إلى الله عز وجل تهوي إليه، فمنتدى الدعاة كلهم عند هذا الرجل، تنطق أساريره بالرضا.
يذكرني بكلام ذكره شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله، كان يقول: كانت إذا ضاقت بنا الدنيا وأدركتنا الوحشة؛ ذهبنا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فما هو إلا أن نراه، ونسمع كلامه، حتى يذهب عنا كل الذي نجده.
مع أن شيخ الإسلام ابن تيمية من أشهر المبتلين؛ فقد سجن سبعة عشر عاماً متفرقات، بسبب فتاويه التجديدية، لقد جدد دين الله تبارك وتعالى، وتحمل الأذى وصبر، ومع ذلك كان هذا الرجل مبتلى؛ إذا جاءوا ونظروا إلى وجهه تبدد ما يجدونه من ضيق النفس، وما هذا إلا للرضا الذي كان يشعر به شيخ الإسلام ابن تيمية.
أنت -أيها المبتلى الصابر- في معية الله تبارك وتعالى العامة، وكذلك المعية الخاصة: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153] هذه هي المعية الخاصة التي هي أجل من المعية العامة، المهم أن تحسن ظنك بربك تبارك وتعالى، ولا تصرف عمرك ووقتك إلا فيما يرضيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ساعة تمر على ابن آدم لا يذكر الله فيها إلا ندم عليها يوم القيامة).
فأقول لكل أخ معاق: كن منارة، واضرب المثل للذين يرفلون في ثوب العافية، اجعلهم يحتقرون أنفسهم عندما يجدونك في الصف الأول في الصلاة، برغم أنك معاق ولا تتمتع بالحرية التي يتمتعون بها، فلعل أحداً ممن يراك يحتقر نفسه، ولربما كنت معلماً وإن لم تكن صاحب لسان.
نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يجعل ما قلناه وما سمعناه زاداً إلى حين المصير إليه، وعتاداً إلى يوم القدوم عليه، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.