إن قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] دعاء؛ فلكي يكون دعاؤك مستجاباً: اقرأ الآيات التي قبلها في سورة الفاتحة، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:2 - 5].
وهذا يوضحه حديث أبي هريرة - الذي رواه مسلم في صحيحه، وانفرد به عن البخاري - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: إني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين -الصلاة هي الفاتحة- ولعبدي ما سأل؛ فإن قال: (الحمد لله رب العالمين)، قال الله: حمدني عبدي.
(الرحمن الرحيم)، قال الله: أثنى عليّ عبدي.
(مالك يوم الدين)، قال الله: مجدني عبدي.
(إياك نعبد وإياك نستعين) قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين ولا الضالين) قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل).
(حمدني عبدي، أثنى عليّ عبدي، مجدني عبدي) كل هذا ثناء.
إذاً قبل أن تدعو ينبغي أن تثني على الله بما هو أهله.
وأي إنسان يدخل على ملك من الملوك يخاطبه أولاً بقوله: يا أيها الملك المعظم الكريم، الذي عم كرمه الجميع وفعلت وفعلتَ، ويثني عليك الناس إلخ، فهو بهذا فخمه وعظمه من أجل نفسه.
فمن الغيب في حقه ألا يعطيك شيئاً، وثناؤك عليه كتبت يغريه على العطاء.
لكن إذا دخلت وقلت له: عمالك في الأرض مفسدون، وكذا وكذا، وتعمل كذا، وأنت نائم على آذانك، ونريد العدل ونريد الحقوق، وجئتك في رفع مظلمة، وفعل عاملك كذا وكذا، ولابد أن تفعل إلخ، يقول: خذوه إلى الحبس لماذا؟ لأنه لم يسلك الطريق الصحيح.
(قمن أن يستجاب لك إذا أثنيت)؛ لذلك قبل أن تقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]، أثن على ربك: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2 - 3].
وانظر إلى كلمة (الرحمن الرحيم) هذه، رحمته سبحانه وتعالى تقتضي أنه لا يترك عباده هملاً لا يدلهم على ما ينفعهم، وإن رحمته بإرسال الرسل أعظم -كما قال بعض العلماء- من الرحمة الشاملة العامة التي هي مثل كلأ الدواب وطعام البهائم إلخ.
فأنت تقدمُ بين يدي دعائك ثناءً على الله، كما في الحديث الصحيح عند الترمذي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو، ويقول: اللهم إني أسألك بأنك الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لقد دعا الله باسمه الأعظم، الذي ما سأل به أحدٌ إلا أجيب)، فهذا كله ثناء على الله عز وجل، قدمه هذا الرجل بين يدي دعائه.