البدعة الإضافية أكبر محنة على المسلمين

فالبدع يا إخواننا كثيرةٌ جداً وتحتاج إلى جيوش جرارة تقف في وجوه أهلها، لاسيما البدعة الإضافية التي هي أكبر محنة الآن؛ بسبب أن لها وجهين: - وجه يطل على الشرع.

- ووجه آخر يطل على البدعة.

مثل: الخط الذي يكون في المساجد، حيث يُعْمَلُ لصقٌ أو يُعْمَلُ خطٌّ من أجل الصفوف.

فهذا بدعة.

- لماذا خططتم الخط على الأرض؟ - قيل: لنسوي الصف.

- تسوية الصفوف هذه مسئولية من؟ - مسئولية الإمام.

- إذاً: ما خُطَّ الخط على الأرض إلا بعد ما ترك الأئمة مهمتهم.

- السؤال الأول: هل وضع الخط أو شده كان مقدوراً للنبي صلى الله عليه وسلم أم غير مقدور؟ - كان مقدوراً.

- هل كان له داعٍ؟ - نعم.

كان له داعٍِ، وهو تسوية الصف.

- السؤال الثالث: هل فعله؟ - ما فعله.

وهذا قاعدة ذهبية في معرفة الفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة.

فشد الخيط على الأرض جاء بسبب إهمال الأئمة.

ففي صحيح البخاري من حديث عمرو بن ميمون قال في يوم مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فكان بيني وبينه ابن عباس: فسوى الصفوف حتى إذا لم يجد خللاً تقدم فكبر).

والرسول عليه الصلاة والسلام كان يسوي الصف، ويرسل من يسوي الصفوف، فإذا وجد الصفوف متساوية أقام فصلى.

لكن نحن الآن كأئمة، يقول أحدنا للمصلين: استووا استووا وهو واقف ووجهه إلى القبلة، لأن هذا من مهمات الإمام؛ ولكن هذا تقصير، فبسبب تقصير الأئمة والمسلمين ظهرت هذه البدعة.

ومدة ظهور هذه البدعة حوالي عشر سنوات فقط، وقبل ثلاث عشرة سنة ما كان أحد يرى هذا الخط على الأرض، يعني: أن هذه البدعة جديدة جداً، وكما قلنا سببها: إهمال الأئمة، حتى الصف الأول الذي من المفروض أن يكون أفضل صف في المسجد ترى الفضلاء يتخلفون عنه، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل)، حتى إنك ترى أصحاب الصف الأول هم من لا يحسن نظام الصلاة، مع أن الصف الأول هو الخط الأساسي للإمام، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقول: (لِيَلِيَنِي منكم أولو الأحلام والنهى)، لماذا؟ حتى إذا حدث للإمام شيء في الصلاة، فيكون الذي وراءه فاهماً لنظام الصلاة، فإذا أحدث الإمام مثلاً، أو تذكر أنه غير متوضئ فأول ما يشد شخصاً من الصف الأول يكون هذا المشدود عالماً لماذا شده، لا أن يعمل كما قال ابن الجوزي في كتابه: أخبار الحمقى والمغفلين، من الأئمة قال: أحدث إمامٌ فشد واحداً من ورائه، فكان صاحبنا المشدود لا ينطق ولا يتكلم ولا يعمل أي شيء، فلما يئسوا منه أخذوه وأدخلوا غيره، فقيل له بعد الصلاة: لم وقفت ولم تتكلم؟ قال: أنا ظننت أن الإمام يقول: احفظ مكاني حتى أجيء.

كأنه طابور جمعية! وهذا يذكرني أيام الجمعيات الاستهلاكية والاقتصادية: وقف شخص أمام محل ليربط -أعزكم الله- رباط جزمته، وبينما هو واقف وجده شخصٌ يربط، فظنه واقفاً أمام جمعية فوقف وراءه، وما إن انتهى الأول من رباط جزمته ونظر وراءه حتى رأى عشرة أو خمسة عشر شخصاً يقفون طابوراً، فقال: يبدو أن هذا المكان يُوَزَّعُ منه شيء، فما دمت الأول في الصف لماذا أبرح مكاني؟! وظل واقفاً، وظل مَن خلفه واقفون هم أيضاً، وقالوا: قد يكون هناك توزيع شيء.

فهذا الذي يقول: احفظ مكاني حتى أجيء موجود في الصف الأول.

وحصلت عندنا حكاية عجيبة جداً أن من الأشياء الغير لائقة أن الناس يعزمون على الإمامة، إذا غاب الإمام الأصل يقولون: لتتقدمنَّ يا فلان لا والله أنت مَن يتقدم، لا.

والله لن يتقدم إلا أنت أليس هذا ما يفعلون؟! فقد عَمِلَها ناسٌ مع شيخ القبيلة، وهو لا يعرف أي شيء، ولا يعرف أنه سيُقدَّم للإمامة، وهو لم يكن محضِّراً؛ ولكنه كان يعرف أن الأئمة يقولون كلمتين أو ثلاث في البداية: استووا يرحمكم الله سدوا الفُرَج ولكن الرجل نسي هذا الكلام نهائياً، فوقف ينظر إلى أول الصف وآخره، وأخذ يفرك في يده، وقال لهم: جاهزون يا رجال؟! هذه حصلت، وليست فكاهة.

فتصوَّر عندما يكون هذا الرجل هو وفدٌ إلى الله عز وجل؛ فنحن لا بد أن نختار دائماً الخيار: (اجعلوا أئمتكم خياركم) لأنهم وفدُنا إلى الله عز وجل.

أيها الإخوة الكرام! الرأس -إذا لم يكن حكيماً- يشِين أو يزِين.

ولما ولي عمر بن عبد العزيز إمارة المؤمنين وجاء مجموعةٌ من الناس العرب يهنئوه، أدخلوا شاباً صغيراً صاحب البضع والثلاثين سنة يهنئه، فقال: يا غلام! أما وجدوا من هو أسن منك؟ قال: يا أمير المؤمنين لو كانت المسألة بالسن، لكان غيرك أولى بالخلافة.

يا أمير المؤمنين: تعلم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علم كمن هو جاهلُ وإن كبير القوم لا علم عنده صغيرٌ إذا التفت عليه المحافل فقال: أفلح قومٌ ولوك أمرهم يا غلام.

فالمقصود: أن هذا الإهمال الذي حدث من المسلمين هو الذي أوجد هذه البدع.

العلماء يقولون: كل حكمٍ كان له مقتضىً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فلا يجوز لنا أن نفعله، مثل: شد الخط: كان مقدوراً له أن يفعل؟ نعم.

كان هناك مقتضى للفعل؟ نعم.

وهو تسوية الصف.

هل فعل؟ لا.

إذاً: لا يجوز أن نفعل، إذ لو كان خيراً لفعله.

وهذا أيضاً مثل الاحتفال بالمولد النبوي، والرسول عليه الصلاة والسلام مات عن ثلاث وستين سنة فقد أمضى حياته المباركة مع كل الصحابة، ومع ذلك فلم يحصل مرةً واحدة أن جمع أصحابه في يوم مولده، وخطب فيهم خطبة، أبداً.

هل جمعهم في يوم مولده كان مقدوراً له أم لا؟ - كان مقدوراً.

- هل هناك مقتضىً للجمع؟ نعم.

وهو العظة.

هل جمعهم؟

صلى الله عليه وسلم لا.

إذاً: هذه بدعة.

فأنت تعرف أن هذا قيد في الفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة.

ما هي المصلحة المرسلة؟ هي: شيءٌ فيه مصلحة، وليس هناك نهي خاصٌ عنه، ولم يكن له مقتضى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

نحن عندما نقف عند إشارة المرور، أو شرطي المرور: هل كان مقدوراً للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله؟ لا.

هل كان هناك مقتضىً للفعل؟ لا.

هل تحقق لنا مصلحة؟ نعم.

هل هناك نهي عنها؟ لا.

إذاًَ: هذه مصلحة مرسلة.

فهذا هو الفرق بين المصلحة المرسلة والبدعة الإضافية.

وسميت إضافية لأنها تضاف إلى الشرع بدليل عام، مثل أذان المؤذن الذي يقول: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله! أنت لماذا تذكر السيادة؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) فطالما أنه سيد ولد آدم ولا فخر، فأنا لا زلت أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، فأكون بهذا قد مجدت الرسول عليه الصلاة والسلام وعظمته.

ولذلك سميت بدعة إضافية، بمعنى: أنها تضاف للشرع بدليل عام، بخلاف البدعة الحقيقية التي لا أصل لها مثل صلاة الرغائب في رجب، ومثل صلاة حفظ القرآن الكريم، فهذه كلها من البدع الحقيقية التي لا أصل لها في الشرع.

أيها الإخوة الكرام: الكلام عن البدعة وعن أهلها كلامٌ يطول؛ ولكن أردت أن ألمح تلميحاً سريعاً إلى المحنة التي يعيش فيها المسلمون الآن، ومحنةُ طلب الهدى في هذا الزمان أعظم من محنة عدم وجود رغيف الخبز، وكما صورتُ لكم أن المحنة تتمثل في ثلاثة وسبعين باباً، والأمرُّ خو ذهنه فعلاً من معرفة الباب الوحيد الذي يؤدي إلى الحق، الأمر الذي به تختلط عليه كل هذه الأبواب فلا يدريها، فيلج من باب لا سيما وعلى كل باب شيطان يدعو إليه.

فنسأل الله تبارك وتعالى أن يعافينا وإياكم من البدع، ومن أهلها، وأن يجعلنا من أعلام السنة وشبانها والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015