أيها الإخوة الكرام! العلمانيون لهم ضوابط خاصة يذكرونها دائماً، ويُلْبسونها لباس المنهجية، ولباس الحياد العلمي، فالحياد العلمي دائماً في كل كتاباتهم يقولون: لا بد من اتباع المنهجية والحياد والإنصاف.
ما معنى الحياد عندهم؟ معناه: هو ترك الانتماء إلى السلف، وينبغي أن يكونوا في نظري أناساً عاديين لا فضيلة ولا ميزة لهم، لأنك لو اعتقدت أن لهم فضيلة فستنحاز إليهم، وهذا الانحياز سيفقدك المنهجية، فلذلك هم ينادون دائماً بالحياد العلمي، والحياد العلمي هو الذي جعل رجل مصر الدكتور طه حسين يقول: إن القرآن الكريم ينبغي أن نعامله ككتاب أدبي، ليس لأنه من عند الله! ولذلك أوردوا بعض الاعتراضات اللغوية عليه بجهلهم.
فلو أن الإنسان اعتقد أن هذا القرآن كلام الله عز وجل سينحاز له إذا فقد المنهجية، ولذلك استحق أن يطرد من جملة العلماء، بل طُرد من الجامعة شر طردة، وذهب ليأخذ الدكتوراه في اللغة العربية من باريس، ومن عجبٍ أيها الإخوة الكرام أن هذا الرجل لما رجع من باريس وأرادوا أن يكرموه، واستقبله السلطان فؤاد الأول فعملوا مهرجان في مسجد من مساجد القاهرة، وجاء السلطان فؤاد، وجاء له رجلاً بخطيب بارع آنذاك، فهذا الخطيب أراد أن يمجد الملك، ويمجد صاحب طه حسين في نفس الوقت، فقال كلمةً كفَّره بها وكيل الجامع الأزهر آنذاك الشيخ محمد شاكر رحمه الله، قال: جاءه الأعمى فما عَبَسَ ولا تولى.
فهذا تعريض لجانب المصطفى صلى الله عليه وسلم، تعريض أن الملك فؤاد الأول أفضل من الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول عبس وتولى عندما جاءه الأعمى؛ لكن هذا قال: ما عبس ولا تولى، بل بعثه إلى باريس، فأخذ الدكتوراه وأتى، فالشيخ محمد شاكر لما سمع هذه الكلمة ما تحملها، فبعد الجمعة قال: (أيها الناس! أعيدوا الصلاة فإن الخطيب كَفَر).
دعنا من حكم الشيخ محمد شاكر لا نناقشه، لكن هو قال: إن الخطيب كفر.
وذهب إلى قصر عابدين، وأرسل رسالة إلى الملك فؤاد الأول: أن يعيد الصلاة؛ لأن الخطيب كفر.
يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله -وهو ابن الشيخ محمد شاكر هذا البطل المغوار الذي جهر بهذا الحكم-: وقامت بين الوالد -بين أبيه- وبين هذا الرجل مرافعات، والعلمانيون أغروا الخطيب أن يقدم بلاغاً، ويرفع قضية على الشيخ محمد شاكر، والشيخ محمد شاكر قال: أنا أطلب نخبةً من المستشرقين -لا أقول: من علماء الأزهر حتى لا يقال: انحازوا إليه- الذين لا يدينون بدين الإسلام، ولا يوالون الرسول عليه الصلاة والسلام، لأسألهم سؤالاً واحداً: أهذا الذي قاله الخطيب تعريض بالرسول عليه الصلاة والسلام أم لا؟ قال: فلما عَلِم ذاك الخطيب أن القضية ستمتد وسيخسر فيها؛ أسقط حقه فيها.
يقول الشيخ أحمد شاكر: وكنت أعرف ذلك الخطيب، فدخلت مسجداً من المساجد فرأيت هذا الخطيب الشهير فرَّاشاً يتلقى نعال المصلين، قال: فانزويت عنه، فسبحان الله! من كان عدواً لله ورسوله فإنه لا يُعَزُّ أبداً.
إن الأصل أن نقف على الألفاظ، (فاضربوا) تشمل الرجال والنساء، ولا نقول بغير ذلك إلا بدليل.
قلت: الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا حملتم الميت فأسرعوا) ما رأيك؟ النساء يحملن الجنازة؟ (فأسرعوا) مثل (اضربوا)، كله شيء واحد، فيدخل الرجال والنساء معاً.
قال: لا.
قلت له: لم؟ قال: لأننا ما رأينا نساءً يحملن النعش.
قلت: هذا عين جوابي، هذا هو السنة العملية التي قضت بأن النساء لا يحملن نعش الميت، كذلك السنة العملية هي التي قضت أيضاً أنه لا يضرب إلا الرجل.
فأهل البدع يخالفوننا في منهج الاستدلال، ويخالفوننا في الأدلة ذاتها.