وهو أيضاً يقول: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله).
يقول: هذا مكذوب! لماذا مكذوب؟ يقول: لأن الإسلام دين اقتناع، ونحن ندل على ذلك بعقولنا جميعاً بأن الدين لم ينتصر بالسيف إنما انتصر بالحجة، فكيف نقول للناس: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)؟! افرض أنهم لا يريدون أن يقولوها، لمَ تقاتلهم وقد قال الله عز وجل: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] وقال الله عز وجل: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99]، وقال الله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]؟ فلِمَ نقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ولا ندعهم وحريتهم؟! ولذلك يقول: هذا الحديث معارض للقرآن الكريم -والقرآن هو حجة المسلمين- فلذلك نرد الحديث.
لا والله، نحن نقول: إن آيات القرآن يرد عليها نفس الاعتراض، إذا كان الاعتراض بهذه الصورة فلا يسلم منها حتى آيات القرآن الكريم، مع أن معنى الحديث تؤيده آيات من القرآن الكريم.
(أمرت أن أقاتل الناس): الناس رجلان: - مؤمنٌ.
- وكافر.
فالمؤمن غير داخل تحت الحديث.
يبقى الكافر وهو قسمان: - قسمٌ مداهن على استعداد أن يدفع الجزية، فلا يقاومنا، فهذا لا إشكال فيه.
- قسم لا يريد أن يدفع الجزية، ولا يريد أن أنشر ديني.
فهذا هو الذي عناه الحديث، ومما يدل على ذلك قوله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، قاتلوهم حتى يعطوا الجزية، إذا أعطوا الجزية فلا نقاتلهم، وإذا لم يعطوا الجزية نقاتلهم.
إذاً: الصنف الذي عناه الحديث: الذين لا يعطون الجزية ومع ذلك يقفون حجر عثرة في طريق المسلمين.
فالحديث موافق للآية؛ لكنه نظر بجهله إلى لفظ (الناس) فقال ما قال.
ولفظ (الناس) هنا لفظٌ عام يفيد الخصوص، كقول الله تبارك وتعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج:27].
والناس هنا: هم خصوص المسلمين، ومما يدل على ذلك ما رواه النسائي وأبو داود قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل المشركين حتى يقولوا: لا إله إلا الله).
انظر! لا تعارض أبداً بين حديث صحيح وبين آيةٍ في كتاب الله عز وجل، إذ لا يتعارض البيان مع المبيَّن، الرسول عليه الصلاة والسلام كلامُه بمنزلة البيان للقرآن، فكيف يتعارض معه؟!