لو كان العبد من أهل السنة، ولا يفارق السنة قيد أنملة قاده الشيطان إلى الجنس الثالث من الشر وهو: الكبائر، فيجتهد في إيقاعه في الكبائر، ولا يستطيع أن يلبس على مثل الذي أفلت من الشرك وأفلت من البدعة إلا بالأمانيّ والتزيين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم المرأة تعجبه فليأت أهله، فإن معها مثل الذي معها)، وتخيل هذا الحديث: (المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان)، قد تكون هذه المرأة أقبح امرأة على وجه الأرض لكنها صادفت شبقاً وشهوة عالية من الرجل؛ فلم يرها على صفة القبح، بل رآها جميلة، فإذا أقبلت عليه لم ير قبحاً فيها إنما يرى جمالاً وسمتاً، وإذا أدبرت رأى أيضاً رشاقة وجسماً، فلا يزال يشتهيها حتى إذا واقعها ظهر له قبحها، وهذا من التزيين الذي وعد به في قوله: (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ) فعمل الشيطان أنه يزين ويمني.
كم تتصوروا زمن وقوع الفاحشة؟ خمس دقائق، عشر دقائق، ربع ساعة، ساعة من حياة المرء الطويلة، وقد لا يرتكب في حياته إلا مثل هذا القبح الواحد، ويظل أسيراً له طيلة عمره.
فالشيطان يوقع الذي نجا من الكفر ومن البدعة بتزيين المعاصي له، ثم ينفث في أذنه: إن الله غفور رحيم، وللشيطان أجناس من بني آدم يقومون بنفس الدور بإتقان؛ فيصغر له الكبيرة، كمثل الذي حدث لـ كعب بن مالك كما رواه البخاري ومسلم من حديثه في تخلفه عن غزوة تبوك قال: وجاء المعذرون من الأعراب يعتذرون للنبي صلى الله عليه وسلم إن بيوتنا لعورة، وذكروا أعذاراً فقبل النبي صلى الله عليه وسلم علانيتهم ووكل سرائرهم إلى الله، أما كعب بن مالك قال: فجئت حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآني تبسم تبسم المغضب وقال: ما خلفك؟ قلت: والله! يا رسول الله! لو كنت عند غيرك من أهل الدنيا لخرجت بعذر فقد أوتيت جدلا.
والله ما كان لي من عذر وما كنت قط أقوى مني كهذه الغزوة، وما جمعت بين راحلتين قط إلا في هذه الغزوة، قال: أما هذا فقد صدق، قم حتى يحكم الله فيك، قال كعب: فخرجت، فتبعني جماعة من أهلي فقالوا: والله ما نعلمك أذنبت ذنباً إلا هذا الذنب اليتيم، ولقد كان كافيك استغفار رسول الله لك، لماذا تفضح نفسك؟ يعني لو كنت قلت له: لي عذر، وقلت له: استغفر لي يا رسول الله! لقال: غفر الله لك.
وانتهى الأمر، والرسول مستجاب الدعوة، ولم يكن هناك داعٍ لأن تفضح نفسك! قال: فلا زالوا يؤنبونني حتى هممت أن أرجع إليه فأكذب نفسي.
هذا من عمل شياطين الإنس، يقولون: والله ما نعلمك أذنبت ذنباً! وما أدراك؟ إذا خلا العبد بمحارم الله انتهكها، وخرج للناس جميلاً عفيفاً ذا سمت وذا ورع ودمعة، تقوى العبد تعرف بالخلوات.
وكيف استقل نظر الله إليه وهو لا يغيب عن عينه، واستعظم نظر من لا يملك له موتاً ولا حياة ولا نشوراً، هذا بلا شك قدح في دين المرء، ويكون القدح على قدر الذنب، فالكبيرة لا يقع فيها المرء إلا إذا لبس عليه وزين له الأمر.