إن غربة الإسلام غربة خاصة، والسني في هذه الأيام غريب في أهله، بل يقول بعض الأبناء -وكثيراً ما شكي إلينا ذلك، ونسأل في مناسبات متعددة-: - أبي حلف عليّ: إنك إذا صليت في مسجد سني فأمك طالق ماذا أفعل؟ - أبي حلف عليّ: إذا أطلقت لحيتك فأمك طالق، أو يخرجني من البيت ماذا أفعل؟ إن التطرف في الدين خير من التطرف في الدنيا، مع أن كلاهما مذموم، لكن الذي يتطرف في الدين أبعد عن الانحراف والفساد العريض من الذي يتطرف في الدنيا، فإذا خفت على ولدك أن يدمن (الهيروين) فدعه في أحضان أهل السنة والجماعة.
إن من الغربة أنك إذا صدعت بكلمة الحق أوخذت على ذلك، وقيل لك: عندنا أوامر ألا تتكلم في هذا الأمر، هذا على المستوى الخاص وعلى المستوى العام خذ مثلاً واحداً: وهو ما حدث في فرنسا في العام الماضي، فرنسا بلد المجون والدعارة التي اتسعت لكل شيء؛ للـ (ميني جيب) و (الميكروجيب) والعراة، لما لبست بنتان صغيرتان الحجاب قامت قيامة الفرنسيين، حتى اضطر رئيس الدولة وامرأته أن يتكلما في هذا الأمر شخصياً بنت تلبس الحجاب فتهتز دولة كفرنسا التي تعد بنت الكنيسة البكر، والداعية إلى النصرانية، تهتز كلها وهي دولة عظمى لحجاب فتاة؟! وقد اتسعت للـ (ميني جيب) و (الميكروجيب)، واضطر رئيس الدولة أن يدلي ببيان في ذلك.
إنهم رأوا أن هذا الحجاب ليس مجرد قماش يوضع على الرأس، إن هذا رمز، كما أن هذه اللحية رمز، أما الذين يهونون من الهدي الظاهر فيقولون: (ربنا رب القلوب)، نعم هو رب القلوب، ولكن هو الذي أمرك بإصلاح ظاهرك كما أمرك بإصلاح باطنك، فلم فرقت؟ إن صلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن.
ليس الحجاب قماشاً يوضع على الرأس، إنه رمز، والبنت التي لبست الحجاب مغربية، ومما يندى له الجبين وتدمع له العين أن ملك المغرب نفسه أيضاً يتدخل ويأمر والد هذه البنت أن يمنعها من لبس الحجاب، رئيس دولة عظمى يتدخل!! ورئيس الدولة التي منها هذه البنت يتدخل أيضاً!! لماذا رؤساء الدول يتدخلون في هذه المسائل؟ ما عهدناهم يتدخلون! إن سلمان رشدي الأفاك الأثيم الكافر -لأن توبة الزنديق لا تقبل عند جميع العلماء- الذي سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتهم أمهات المؤمنين بالدعارة، وأفتى الخميني بقتله، فأول ما أفتت إيران باستباحة دمه غضبت إنجلترا، وسحبت السفير من إيران، رغم أنه يعتبر رجلاً عادياً لماذا سحبتم السفير؟ قالوا: هذا رجل ألف كتاباً مثلما يؤلف الكثيرون.
أيسب رسول الإسلام، وتتهم نساؤه بالدعارة ولا صريخ؟! إن بابا روما لو سجن لقامت الدنيا.
في (مدرسة المشاغبين) أتوا برجل له عمامة ويلبس الجبة والقفطان وهو يرقص، ولا يجرءون على أن يضعوا مكانه قسيساً هذه غربة ما لها من دافع! ماذا يفعل المسلمون الضعاف أمام هذه الغربة على المستوى العام على مستوى الدول، وعلى المستوى الخاص؟! (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ) أيها الغرباء في الغربة الثانية! طوبى لكم، طوبى لكم وحسن مآب، طوبى للغرباء (الذين يصلحون إذا فسد الناس) لا تيئس من روح الله، ولا يحملنك كثرة المخالفين على اليأس من إيصال الحق إلى القلة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه كانوا يدعون الواحد بعد الواحد، لكن الواحد منهم كان يزن أمة ونحن غثاء كغثاء السيل، (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: لا أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن.
قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يلطف بهؤلاء الغرباء، وأن يمدهم بروح منه، وأن يعزهم، وأن يعز الحق بهم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرَ رشدٍ، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.