إن وجود الشيوخ بكثرة ينقل الأدب لطالب العلم مع العلم، وهذا ميراث متوارث وليس شيئاً جديداً، فقد روى الدارمي في سننه بسنده الصحيح إلى يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه، قال: بينما نحن جلوس على باب عبد الله بن مسعود بعد صلاة الغداة، إذ جاء أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس فقال: أما خرج أبو عبد الرحمن؟ فقلنا: لا.
فقعد معنا.
انظر إلى هؤلاء الناس يقعدون على درج البيت! وهذا شيء يجب على إخواننا أن يتفطنوا له، لكن اليوم يكاد الجرس أن يتلف من كثرة الدق على الباب، وكأن أدب الاستئذان ثلاث مرات قد ذهب، وربما يطرق الباب مائة مرة، ولقد أحصيت مرةً أن رجلاً طرق الجرس علي ستاً وثلاثين مرة، أعدّها عداً، ومازال واقفاً، حتى إن الجرس تلف، وما أدري هل هو السبب أم تكاثرت عليه الدقات.
فأين هذا من فعل هؤلاء السادة؟ يجلس بعد صلاة الغداة ولا يدق على عبد الله بن مسعود الباب، لأنه هو الذي يحتاج إليه، ويقعد على درج البيت ولا يراه من العيب، حتى إذا خرج عبد الله بن مسعود قال: فاكتنفناه.
(اكتنفناه): يعني عن يمينه وعن شماله ووراءه وأمامه، وهذا هو فعل العالم الرباني حقاً، لا يفعل كما يفعل بعض الجبابرة يمشي في الأمام والكل وراءه، هذا ليس من الهدي، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (تقدموا وخلوا ظهري للملائكة) وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يتقدم الصفوف، وهذا من أعظم ما يكون أن يكون الرجل في أخريات الناس، يزجي الضعيف ويساعد المحتاج، هب أن رجلاً سقط لا يدري به أحد، من يكون المسئول عنه؟ فكان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في أخريات الناس.