و (مجاهر فسقاً) فلو جاهر الرجل بالفسق؛ فإنه ليس لأهل المعاصي حرمة، وليس لأهل البدع من باب أولى حرمة، ولذلك لما سئل الحسن، أنه يوجد رجل فيه بدعة فهل أفضحه؟ قال: نعم، وقال: ليس لهم حرمة.
وهذا ظاهر من الحديث الأول في صحيح مسلم، حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي رواه يحيى بن يعمر، لما قال: خرجت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافق أن لقينا عبد الله بن عمر داخلاً المسجد أو خارجاً منه، فقلنا: أبا عبد الرحمن إنه ظهر أناس يتقفرون العلم، ويقرءون القرآن، وذكر من شأنهم -أي من عباداتهم ومن جدهم ومن اجتهادهم ونحو ذلك- وأنهم يقولون: إن الأمر أنف -بمعنى: أن الله لا يعلم بالأمر حتى يحدث- فقال عبد الله بن عمر: إذا لقيتهم، فأخبرهم أنني منهم براء، وهم بريئون مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر: لو أنفق أحدهم مثل أحدٍ ذهباً ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم ساق الحديث.
فـ عبد الله بن عمر تبرأ منهم، مع أن ولاية المؤمن للمؤمن من أعظم القربات، إلا أنه تبرأ منهم، ووقع فيهم وهم غائبون، فلا شك أن هؤلاء لو علموا أن ابن عمر تبرأ منهم لأحزنهم ذلك، ومع ذلك لم يأبه عبد الله بن عمر بذلك، ولولا ذلك ما عرف المسلمون أهل البدع من أهل السنة، ونحن نجد أن العلماء صنفوا في أهل البدع كتباً، وذكروهم بأسمائهم، وذكروا قبح مقالاتهم ليحذرهم المسلمون.
ولذلك الإمام أحمد لما سئل عن تبيين بدعة المبتدع، قال: نعم هي أولى من جهاد الكفار، وهذا كلام كله فقه؛ لو قيل -وهذه هي الليلة الختامية لـ إبراهيم الدسوقي - لو قلنا لكم جميعاً وقلنا للمسلمين جميعاً في سرادق عظيم: كيف يسمح بهذا المحفل الشركي في ديار المسلمين؟! كيف يطوف بهذا القبر ألوف مؤلفة، يقصدونه كما نقصد نحن البيت العتيق؟! وجعلنا نستنفر الناس والهمم تجد أن الذي سيقف بجانبك قليل، وإذا دعوت الناس أن يقفوا معك ضد اليهود الكفار، الذين عداوتهم ظاهرة، فنحن لا نحتاج إلى جهد أننا نثير الجماهير حتى الغافلة في مقاومة الكافرين.
لذلك كان القدح في المبتدع أولى من القدح في الكافر؛ لأن الكافر عداوته ظاهرة لكل أحد، والكل يستنفر ضده.
لما عرضت مسرحية رسمت فيها الكعبة، وأتوا بامرأة عارية، ترقص على الكعبة من فوق، وبعد ذلك يخرج بئر بترول من تحت الكعبة؛ من أجل أن الذين عندهم البترول والكعبة في أرضهم هذا هو سلوكهم، ونتساءل: كيف هانت الكعبة حتى ولو بالكرتون على مثل هذا المخرج؟ وكيف أجيزت من الرقابة؟ وكيف طلعت هذه العارية على مسرح الجماهير؟ هذا العمل مثل ما كتب الشاعر في صحيفة الأهرام منذ أربع سنين، حين قال: (الله في مدينتي ينام على الرصيف)، تقول له: لماذا؟ يقول لك: يا أخي! الله المقصود به: الفضيلة، الخير، هذا التعليل العليل الذي تكلم به.
نحن نعرف أن هذا اللفظ الجليل (الله) لم يسم به أحد إلا الله؛ عندما يقول: (الله في مدينتي ينام على الرصيف) هذا كلام كفري صريح لا يحتاج إلى تأويل معنى آخر.
فهناك أشياء معينة الجماهير كلها يمكن أن تتبناها، على رأس ذلك إذا كان معسكر العدو من الكافرين الذين يتربصون بالمسلمين وعداوتهم ظاهرة، بخلاف المبتدعة: هم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويأكلون من ذبائحنا ويستقبلون قبلتنا، لذلك كان هتك هؤلاء المبتدعة واجباً، وهذا داخل في جملة التحذير، أنا أقول: لا تقرءوا لفلان ولا تأخذوا الفتوى من فلان، فإنه جاهل أو أنه يلعب بدينه، أو أنه كذا وكذا، وأذكر فيه صفات، لو علم بها لانزعج مني.
وسبق أن قلنا أن أهل المعاصي ليس لهم حرمة، وأن أهل البدع داخلون في ذلك من باب أولى.