الفائدة الأخيرة وهي: بعدما ارتفعت الأصوات في الجلسة، وكثر الصخب، قال أبو سفيان: (فخرجت وقلت: لقد أمِر أمْر ابن أبي كبشة) أمِر: يعني زاد، من قوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} [الإسراء:16] أمرنا هنا ليس من الأمر؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء، وهذه لها تأويلات؛ منها: أمرنا بمعنى: كثرنا، (أمرنا مترفيها) أي: كثرناهم، وزدنا في عذابهم، وهذا كقوله تبارك وتعالى في قصة موسى والخضر عليهما السلام، لما قتل الخضر الغلام قام موسى فقال له: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف:74]، ولما خرق السفينة قال له: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف:71] (إمراً) أي: كثير الفساد، فما قال (إمراً) في الغلام، وإنما قال في السفينة؛ لأن كلمة (إمراً) يعني: كثير الفساد، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم كما رواه أحمد وغيره: (خير المال سكة مأبورة -النخل عندما تؤبره- ومهرة مأمورة) مأمورة يعني: كثيرة النتاج؛ تولد كثيراً.
فكلمة: (أمِر) أي: لقد كثر وانتشر وشاع.
قال: (لقد أمر أمر ابن أبي كبشة) أبو كبشة هو الجد الأعلى لأم الرسول عليه الصلاة والسلام، لماذا لم يقل: لقد أمِر أمر ابن عبد المطلب؟! فلماذا نسبه إلى جد غامض غير معروف؟! تحقيراً له؛ لأن العرب كانت إذا حقرت إنساناً نسبته إلى جدٍ غامض غير معروف في الناس.
وفي حديث رواه ابن حبان والبزار بسندٍ حسن: (أن عبد الله بن أبي ابن سلول مر على النبي عليه الصلاة والسلام فرآه في أجمة، فقال: لقد غبَّر علينا ابن أبي كبشة) غبَّر علينا، أي: أخذ مننا السلطان فبلغت هذه الكلمة الرسول عليه الصلاة والسلام، فذهب عبد الله بن عبد الله بن أبي إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (والذي بعثك بالحق، لو أمرتني لآتينك برأسه، قال له: لا، برَّ أباك، وأحسن صحبته).
النسبة إلى الجد المشهور شرف، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب).
ما كان يقول: أنا ابن عبد الله إلا في الرسائل التي كان يرسلها، فقد كان يقول فيها، (من محمد بن عبد الله)، لكن في قريش كان ينسب نفسه إلى جده عبد المطلب؛ لأنه كان أكثرهم نباهة في قريش.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يزيدنا وإياكم علماً، وأن يغفر لنا وإياكم، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.