Q هل يجب أخذ ما زاد من اللحية عن القبضة؟
صلى الله عليه وسلم لا، الحقيقة أن فتوى وجوب الأخذ من اللحية مما يجب تركه من فتاوى الشيخ رحمه الله؛ لأن الشيخ كان قبل ذلك يفتي بجواز الأخذ، وهذا مستقيم مع الآثار والأحاديث، لكن الإفتاء بوجوب الأخذ من اللحية، وجعل إسبال اللحية كإسبال الإزار هذا بعيد جداً، فكان ينبغي على الشيخ رحمه الله أن لا يتبنى فتوى إلا إن كان له فيها سلف، وهذه الفتيا بالوجوب ليس له فيها سلف يقيناً، إنما الاقتصار على القول بأن ابن عمر كان يأخذ وهذا فعل لا قول.
وأيضاً لو افترضنا أن ابن عمر قال: خذوا من اللحية هل قول الصحابي يفيد الوجوب؟ لا يفيد الوجوب، فإذا قلنا: إن ابن عمر جاءت عنه روايات مطلقة بالأخذ بغير حج أو عمرة، ورواية البخاري مقيدة بالأخذ في الحج والعمرة، فالصواب في هذه المسألة حمل المطلق على المقيد، فيبقى الرواية المقيدة في البخاري هي المقدمة على غيرها مطلقاً، فيبقى القول بجواز الأخذ في الحج والعمرة.
لكن -في الحقيقة- القول بوجوب الأخذ وتأثيم الذي لا يأخذ من اللحية هذه الفتوى لا أعلم أحداً قد أفتى بها، فسبحان الله! كل إنسان يؤخذ من قوله ويترك.
مداخلة: هل صح ذلك عن أحد من الصحابة غير ابن عمر؟ الشيخ: ليس هناك شيء يصح عن الصحابة بالأخذ من اللحية إلا عن ابن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنه، وأما عن أبي الدرداء وغيره فالأسانيد كلها ضعيفة، وكان هناك أثر ذكرته للشيخ قديماً -ولكن قبل أن يقول في هذه المسألة بجواز الأخذ فقط- وهو أن علي بن أبي طالب كان له لحية سابغة تصل إلى سرته، ولم أكن أعلم تخريجه آنذاك حتى وقفت في التمهيد لابن عبد البر أنه صح عن علي بن أبي طالب أنه كانت له لحية سابغة تملأ ما بين المنكبين، وكان يخضبها.
فهذا فعل علي بن أبي طالب، وهو صحابي من الأربعة الخلفاء، ولحيته تصل إلى سرته وتملأ ما بين المنكبين، ويتعارض مع ما فعل ابن عمر، فإما أن نقدم واحداً منها، وإما أن نسقط الاستدلال بهما معاً، ولا نقول بذلك، ولا شك في تقديم علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند التنازع، بالإضافة إلى أن النظر إلى السنة العملية لفهم سنة النبي عليه الصلاة والسلام يكون إذا اشتهرت وأجمع عليها الصحابة أو أفتى بها أكثرهم، لكن نحن ما عندنا إلا ابن عمر والروايات مختلفة عنه، وكما قلنا: الرواية المطلقة تحمل على المقيدة، إذا كان في حج أو عمرة، أما الروايات الأخرى التي تقول: إنه كان يأخذ بإطلاق، فنحن نحملها على معنى الرواية المقيدة اتباعاً للأصول.
إذاً: عندنا قيدان: قيد زماني في الحج والعمرة، وقيد موضعي أنه يأخذ ما زاد عن القبضة؛ لكن الأمر لا يتجاوز أبداً حدود الجواز، ولا أعلم قائلاً بجواز الأخذ من اللحية من العلماء فضلاً عن الوجوب؛ لأن وجوب الأخذ من اللحية فيه تأثيم للذي يترك لحيته.
وهذا الحديث والفتوى كان من سلبياتها أن الذين يريدون حلق اللحى -المتضجرين من اللحية- صارت لحاهم أقل من حبة الأرز! لماذا؟ بدعوى أن الأخذ من اللحية واجب، وصاروا يتهكمون على الملتحي ويقولون: يؤخذ من عمل المرء بقدر ما تطول لحيته، ويتكلمون كلاماً طويلاً بناء على فتوى الشيخ.
وأنا -وهذا مبلغ علمي- أرى أن هذه الفتوى شاذة، وأنه لم يقل بها أحد قط قبل الشيخ -أي: القول بالوجوب- هذه الحقيقة، ومن مذهب الشيخ رحمه الله تعالى أنه لا يتبنى حكماً إلا إذا كان مسبوقاً إليه، فمن الذي قال من العلماء بأن تطويل اللحية فيما يزيد عن القبضة لا يجوز؟ مداخلة: ذُكر ذلك في فتح الباري؟ الشيخ: لا، الفتح ذُكر فيه الأخذ، ولم يذكر وجوب الأخذ.
وتأثيم من لم يأخذ لا أعلم أحداً من العلماء قال به بهذه الصورة، نعم بعضهم قد يكره، لكن هل الكراهية تقتضي التحريم؟ مداخلة: هل إعفاء اللحية وعدم حلقها عادة؟ الشيخ: هذه ليست عادة.
وكونها من سنن الفطرة مما يدل على وجوبها، إذاً: سنن الفطرة دالة على الوجوب لوحدها، فإذا كانت الفطرة هذه لا تتغير من نبي إلى نبي، بل يفطر كل العباد عليها، فمتى كانت عادة إذا كانت من سنن الفطرة أصلاً كالاختتان وغيره؟! فإذا كانت هي من سنن الفطرة، والأصل في سنن الفطرة الوجوب وليس الإباحة، وجاء النبي عليه الصلاة والسلام فحض على إحيائها بأحاديث متكاثرة؛ إذاً: الأصل فيها أنها عبادة، نسأل الله أن يغفر لنا وللشيخ.