هذا الحديث من الإسرائيليات الصحيحة التي حفظت لنا بالسند الصحيح، ويظن بعض الناس إذا أطلقت كلمة (الإسرائيليات) فإنها ترادف المكذوبات، والحقيقة أن الإسرائيليات على ثلاثة أقسام كما هو عند أهل العلم: القسم الأول: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يحتج به في ديننا.
القسم الثاني: ما صح عن بني إسرائيل أنفسهم، وهذا القسم قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حدثكم بنوا إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) فهذا القسم نستأنس به في توضيح بعض النصوص الشرعية عندنا، ولكن لا يحتج به، وإنما يتخذ كعاضد فقط.
فمثلاً: القصة التي رواها أبو الشيخ في كتاب العظمة: أن داود عليه السلام اصطفى رجلاً من أهل مملكته، فكان الناس يغبطونه على مكانته من داود عليه السلام، فلما مات داود عليه السلام قال سليمان: من أصطفي؟ فقال: لا أجد مثل جليس أبي فقربه؛ فزادت غبطة الناس عليه، وكان ملك الموت عليه السلام يجالس الناس عياناً، فدخل على سليمان عليه السلام فلحظ الرجل - (لحظه) أي: نظر إليه بطرف عينه- فارتعد -أي: الجليس- فلما خرج ملك الموت قال الجليس لسليمان: من هذا الذي لحظني؟ قال: إنه ملك الموت.
قال: وأنا أكون في بلدٍ فيها ملك الموت! قال: ماذا تريد؟ قال: مر الريح فلتقذف بي في أرض الهند.
ثم جاء ملك الموت عليه السلام فقال له سليمان: لماذا لحظت الرجل؟ قال: إن الله أمرني أن أقبض روحه في أرض الهند، فلما وجدته -أي: عندك- تعجبت! فلما ذهبت إليه في الموعد المعلوم وجدته هناك، فانتزعت روحه.
فيمكن أن تذكر هذه القصة عند قوله تبارك وتعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78].
القسم الثالث: ما لم يصح عن بني إسرائيل أنفسهم، فهذا القسم لا يحتج به.
فحديثنا من القسم الأول -القسم الصحيح- وهو: ما حفظ لنا بالسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الحديث يقول: (إن رجلاً ممن كان قبلنا) وهذه القصة حدثت بعد زمن عيسى عليه السلام؛ لأن الرهبنة ما ظهرت إلا في أتباعه، كما قال تبارك وتعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27].