من أسباب ذل المسلمين المنح المالية المشروطة

مثلاً: إحدى المنح اليابانية المتأخرة لمصر مثلاً، لا يعطيك المنحة ويتركك تتصرف فيها، بل هي منحة مشروطة، يقول لك: تعمل ثلاثمائة دار سينما، وتعمل -مثلاً- مائتي مسرح، وتعمل مستشفى، وتربط مثلاً طريقين أو ثلاثة، وتفتح عدداً من الأندية للتنس والكرة إلخ، فهنا يقول أصحابنا: يا أخي! أحسن من لا شيء، هات هات، دعنا نبني الفلل ونعمر البلاد، فهذا كله مجان، والواقع أنه ليس مجاناً، الواقع أن ثمنه غال، لما أنا آخذ منحة ويُشترط علي أن أعمل مثلاً مائة سينما، وخمسين مسرحاً وعشر مدارس مثلاً، وآخذ القرض أو المنحة متصور أن المانح لا تحكم فيه، وهذا الشرط الذي وضعه للمنحة شرط ليس له قيمة، لكن هؤلاء أنفاسهم طويلة وممتدة، هم لا يستعجلون في إفساد هذا الجيل، فعندهم تحمل وصبر حتى إلى الجيل الثالث؛ لأن عملهم مترابط.

نحن لدينا حاجة ملعونة اسمها الخطة الخمسية -لعنة الله عليها- وهي تُعمل لخمس سنوات، الوزير يجلس في الوزارة أربع سنوات ثم يتركها، ولم يكمل أكثر الأعمال، فيأتي الذي يليه بخطة خمسية، فنظل في خمسية ثم خمسية طوال عمرنا، لا نستطيع أن نخرج منها، كل واحد يأتي يبدأ بالعمل من جديد، ملايين ومليارات الأموال مهدرة، هذا ينجز مشروعاً والآخر يأتي يهدمه.

لكن أولئك عملهم متواصل، هناك خطة معينة، كل واحد يأتي فترة زمنية يؤسس، ثم يأتي الذي بعده يبني على ذلك الأساس وهكذا، أما نحن فكلما جاء مسئول هدم ما قبله، وأسس خططاً يترك الوزارة قبل أن ينجزها، ويأتي التالي ليهدم ما أسسه السابق، ويؤسس من جديد وهكذا دواليك.

والشيء الذي يحترق لأجله القلب أن عندنا وزارة اسمها وزارة التخطيط، وهذه الوزارة مهمتها أن تنسق بين الوزارات، لكي لا يقابل القطار قطاراً آخر، وحتى لا يتكرر العمل، لكن كل وزارة في الحقيقة تعمل على حدة.

يذكرني ذلك بسنة سبعة وسبعين عندما أمر السادات الناس بالتقشف، ولابد أن يعيش الوزراء مشاكل الشعب.

ولأن الرأس قدوة؛ قام مباشرة وركب سيارة (فولتك) وأخذ له المصورون صورة وهو متجه إلى الإسماعيلية على سيارة رخيصة، وأحدهم أوقفه وأخذ وأعطى معه، وهكذا القدوة إلخ.

وفعلاً صرف لكل وزير سيارة (خنفسة) مع الاحتفاظ بالسيارة المتقدمة، وهكذا فليكن التقشف.

فهناك أناس يسيرون على خطط، مثلاً: إسرائيل تجد كل شخص في واد، له طريقته الخاصة في التعامل، لكن لا يترك رئيس الوزراء الوزارة إلا وإسرائيل قد ارتفعت، كل واحد يمسك بما معه، لكن كل واحد حر في تصرفه في طريقة التعامل، مثلاً شامير كان شديد اللهجة متشدداً مثل نتنياهو بالضبط أما رابين فكان خفيف اللهجة، لكن كان الاثنان متفقين بقصد الوصول إلى الهدف، لماذا؟ لأن كل واحد يصل بطريقته الخاصة، وكل شخص حقق مكاسب لإسرائيل بالجملة.

مثلاً شامير بنى مستوطنات وعمل مصالح كثيرة لإسرائيل، ولم نستطع أن نوقفه، نشجب ونستنكر قائلين: نحن نحذركم، أنتم ستضيعون السلام، وأنتم الذين ستدفعون الثمن.

فالعملية ساحت وصارت خطيرة جداً، عملية شجب واستنكار ثم يأتي رابين فيقول: أنا ضد المستوطنات، نريد أن نضع أيدينا في أيدي بعض ونعمل سوقاً نعمل سوق نتعاون مع بعض في الزراعة والاقتصاد والثقافة، وتجري زيارات ومؤتمرات متبادلة، شبابكم يأتي يتفرج علينا، وشبابنا يتفرج عليكم؛ لأن سياسة التعاون والتبادل تريد نوعاً من إذابة الجليد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015