نصر أبو زيد أستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية في كلية دار العلوم اعتمد في الحكم بردته على ما قررته محكمة النقض وبما أنهم رجال قانون فإنهم يتعاملون مع النصوص، فلما قرءوا كلام الرجل -وهم أناس يتعاملون مع النص- خرجوا بالنتائج الآتية من كلام الرجل، وهذا تقرير محكمة النقض خرج في أربعة وثلاثين صفحة وقد قرأته، وسأقرأ عليكم منه من ص (20) إلى ص (24)، والتي فيها مجمل ما ذكر الرجل في كتبه، وكان من المفروض أن يكتب هذا التقرير في كل الصحف الرسمية؛ نصراً لله ورسوله ولدينه وإعزازاً للمؤمنين، بدلاً من مجلة السيارات التي تنشر في أخبار اليوم، والإعلانات التي تأخذ نحو عشر صفحات، هذا أولى أن ينشر على الناس ذراً للرماد في عيون المارقين، وهناك مجلة كاملة لنشر الفاحشة اسمها (مجلة الحوادث)، تنشر الشر بالتفصيل الممل المقيت، والشباب في هذه الأيام عاطلون، يريد أن يضيع وقته، فيقرأ هذه المجلة، ويخطر على باله أن ينفذ بعض هذه التفصيلات التي يقرؤها.
ألا تتعجبون من الجرائم التي تقع في المجتمع ليل نهار! هذه بضاعتكم ردت إليكم، كان من الأولى أن ينشر هذا التقرير إعزازاً للمؤمنين ونصراً لدين الله عز وجل، لكن نحن بهذا الصوت الضعيف لعل الله عز وجل أن ينقله، ويتخلل إلى أفئدتكم فتعملون بما أمركم الله عز وجل به.
فاسمعوا هذا الذي ذكرته محكمة النقض التي لم تسلم من الإهانة والتجريح، واتهموهم بأنهم دخلوا مع الإرهابيين في صف واحد، وبعدما كنا نحارب الإرهابيين فيا فرحة الإرهابيين بهذا التقرير، يقولون: ويكفي عند جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية لاعتبار الشخص مرتداً أن يتعمد إتيان الفعل أو القول الكفري ما دام قد صدر عنه بقصد الاستخفاف أو التحقير أو العناد أو الاستهزاء، ولا يندفع حكم الردة إذا تحقق ما تقدم، وإن ادعى المرتد أنه مسلم؛ لأنه اتخذ موقفاً يتنافى مع الإسلام؛ لأن الزنديق يموه بكفره، ويروج عقيدته الفاسدة، ويبطن الكفر ويدعي الإسلام.
وبعد هذه المقدمة، قالوا: وكان الثابت مما أبداه الطاعن الأول -الذي هو نصر أبو زيد - في مصنفاته المبينة بالأوراق -أنها تضمنت وفقاً لطريق دلالتها وما لا احتمال معه لأي تأويل جحداً لآيات القرآن الكريم القاطعة بأن القرآن كلام الله، يقول: إن هذا من صنع البشر، إذ وصفه بأنه منتج ثقافي، يعني: مثل أي سلعة، وأن الإيمان بوجود قيزيقى يناقض الحقيقة، ويعكر الفهم العلمي للنصوص، هذا كلام المرتد، وينكر سابقة وجود القرآن في اللوح المحفوظ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:77 - 79]، ينكر أنه في كتاب مكنون، وينكر سابقة وجوده في اللوح المحفوظ، ويعتبره مجرد نصٌ لغوي!! ويصفه بأنه ينتمي إلى ثقافة البشر، وأنه تحول إلى نصٍ إنساني متأنث، منحياً عنه صفة القدسية استهزاءً بقيمته، وينكر أن الله تعالى هو الذي سمى القرآن بهذا الاسم، جاحداً للآيات القرآنية التي صرحت بذلك مع كثرتها، وذكر في أبحاثه: أن الإسلام ليس له مفهوم موضوعي محدد منذُ عهد النبوة إلى يومنا هذا، وهو قولٌ هدف منه إلى تجريد الإسلام من أي قيمة أو معنى، ووصفه بأنه دينٌ عربي لينفي عنه عالميته وأنه للناس كافة، ووصف علوم القرآن بأنها تراث رجعي، وهاجم تطبيق الشريعة، ونعت ذلك بالتخلف والرجعية، زاعماً أن الشريعة هي السبب في تخلف المسلمين وانحطاطهم، ويصف العقل الذي يؤمن بالغيب بأنه عقلٌ غارقٌ في الخرافة، وصرح بأن الوقوف عند النصوص الشرعية يتنافى مع الحضارة والتقدم، ويعطل مسيرة الحياة، ويتهم النهج الإلهي بتصادمه مع العقل بقوله: (معركةٌ تقودها قوى الخرافة والأسطورة باسم الدين والمعاني الحرفية للنصوص الدينية، وتحاول قوى التقدم العقلانية أن تنازل الخرافة أحياناً على أرضها) انتهى كلام المرتد.
قالت المحكمة: وهذا من الكفر الصريح، وكشف الله عز وجل عنه بقوله: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [الأنعام:25]، والأساطير هي الأباطيل أو الأحاديث التي لا نظام لها، ومفردها (أسطورة) وهو ما نعت به الطاعن، الدين والنصوص الدينية؛ زاعماً أنهما ينطويان على خرافة، ويقول: إن تثبيت القرآن في قراءة قريش كان لتحقيق السيادة القرشية التي سعى الإسلام لتحقيقها، وكأن القرآن لم ينزل إلا لتحقيق سيادة قريش، ويهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم ويلمزه بقوله: (موقف العصبية القرشية التي كانت حريصةً على نزع صفات البشرية عن محمد وإلباسه قدسيةً إلهيةً تجعل منه مشرعاً).
وينكر حجية السنة النبوية، وأن الإسلام دين الوسطية، ويدعو إلى المروق من النصوص الشرعية بقوله: (لقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر -لا من سلطة النصوص وحدها- قبل أن يجرفنا الطوفان).
وأبحاثه فيها اتهامٌ للقرآن والسنة والصحابة والأئمة، ومنهم الشافعي وأبو حنيفة بالعصبية الجاهلية، فحارب الإسلام في نصوصه ومبادئه ورموزه، واعترض على نصيب البنات في الميراث؛ راداً بذلك على ما ورد في القرآن الكريم بنصوص قطعية محكمة في هذا الصدد، وتمادى في غلوه بالدعوى إلى التحرر من النصوص الشرعية، يزعم أنه ليس فيها عناصر جوهرية ثابتة، وأنها لا تعبر إلا عن مرحلة تاريخية قد ولّت، وهذا ظنٌ بشرع الله تعالى أنه غير صالحٍ لكل الأزمنة، ويصف اتباع النصوص الشرعية بالعبودية، وينكر أن السنة وحيٌ من عند الله عز وجل، ويدعي أنها ليست مصدراً للتشريع، متحدياً بذلك الآيات القرآنية العديدة التي وردت في هذا الشأن على خلاف إجماع الأمة، وسخر من أحكام الجزية وملك اليمين، مصوراً الإسلام بالتسلط برغم تسامحه وحظه على عتق الرقاب، وأنكر أن الله ذو العرش العظيم، وأنه تعالى وسع كرسيه السماوات والأرض، وأن من خلقه الجنة والنار والملائكة والجان، رغم ورود آيات القرآن الكريم قاطعة الدلالة في ذلك، متجاهلاً هذا.
وسخر من نصوص الكتاب العزيز، مستخفاً به بقوله بما معناه: إن النص القرآني حول الشياطين إلى قوة معوقة، وجعل السحر أحد أدواتها، بما معناه: أن القرآن حوى كثيراً من الأباطيل، وسار على هذا النهج المضاد للإسلام في مقاصده وعقائده وأصوله بجرأة وغلوٍ وتجريح، نافياً عن مصادره الرئيسة ما لها من قداسة، ولم يتورع في سبيل ذلك أن يخالف الحقائق الثابتة حتى التاريخية منها، وكان هذا هو منهجه، وهو مدرك لحقيقته وفحواه في ميزان الشريعة، إذ أنه نشأ مسلماً في مجتمع إسلامي، ويعمل أستاذاً للغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ويقوم بتدريس علوم القرآن، ومثله لا تخفى عليه أحكام الإسلام وأركانه وأصوله وعقائده، بل إنه يدعي الفقه والعلم وذلك حجةٌ عليه، وإذ هو أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة بالنسبة لأي مسلمٍ لم ينل حظاً من التعليم أو الثقافة الدينية؛ فإنه يعد مرتداً عن دين الإسلام؛ لإظهاره الكفر بعد الإيمان، وما تذرع به من أن ما صدر عنه من قبيل التأويل فهو مردود، إلى آخر الكلام والحيثيات التي نشروها في محكمة النقض.
هذا الكفر كله أخرج من عدة كتب، ولو وزع كفره على أمةٍ من المؤمنين لدخلوا النار جميعاً، فماذا بقي إذا كان يحتوي على الأباطيل والخرافة تسيطر عليه؟ وماذا بقي لنا من بيان الرسول عليه الصلاة والسلام؟