قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علياً، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يطلق علي ابنتي) فهم يستشهدون بهذا الحديث فيقولون: هذا كلام واضح جداً، إذا كنت تريد أن تتزوج فالزوجة الأولى مخيرة بين أن تطلب الطلاق أو تبقى، وهذا يدل على أنه لابد أن توقع على الموافقة، فهم بهذا الدليل جعلوا القوامة بيدها، انظر الكلام! يعني هي التي تقول للرجل: تزوج أو لا تتزوج، وإلا طلقتك، فالمسألة ستكون بهذه الصورة.
لكن لا بد من النظر في كل ألفاظ الحديث! الشعر الماجن عمل نفس الموضوع، قال: ما قال ربك ويلٌ للأولى سكروا وإنما قال ويلٌ للمصلينا أي: ليس هناك ويلٌ للسكارى، إنما هناك {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] دون أن يتم قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:5]؟! انظر إلى الجريمة التي ارتكبها، أخذ آية قرآنية صحيحة، لكن لا يتم معناها إلا بإتمام بقية السياق قال ({لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يطلق علي ابنتي، والله لا تجتمع بنت عدو الله وبنت رسول الله تحت سقفٍ واحد) هذه العلة الأولى.
بنت أبي جهل لا يتصور أحد أن علي بن أبي طالب كان سينكح ابنة أبي جهل وهي كافرة لا، لأن الله تبارك وتعالى قال: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] لا يمكن للمسلم أن يتزوج بكافرة، بينما يمكنه أن يتزوج كتابية مشركة، لكن الكافرة المحضة الأصلية لا يجوز الزواج بها.
فطبعاً أبو جهل كافر أصلي، وابنته تبعاً لذلك كافرة أصلية حتى تسلم، إذاً لا يجوز الإمساك بها، لكن بداهةً هي أسلمت.
فما المانع إذاً؟ قال عليه الصلاة والسلام: (لا تجتمع بنت عدو الله، وبنت رسول الله تحت سقفٍ واحد، إني أخشى أن يفتنوا ابنتي) فانظر إلى العلة، هي مسلمة، لكن خالها كافر، وعمها كافر، وعمتها كافرة، فعندما يأتي هؤلاء الكفرة إلى هذا البيت يخشى على ابنته ريحانته سيدة نساء أهل الجنة، بل سيدة نساء العالمين إلا ما كان من مريم عليها السلام، يخشى على سيدة نساء العالمين (إني أخشى أن يفتنوا ابنتي)، وحتى لا يظن رجلٌ أن الرسول عليه الصلاة والسلام يحرم على علي بن أبي طالب مطلقاً الزواج الثاني، قال عليه الصلاة والسلام في نفس الحديث: (أما إني لا أحرم ما أحل الله، ولكن لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت سقفٍ واحد)، فانظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام: (أما إني لا أحرم ما أحل الله) أي: من التعدد، فكيف لم يفصل الذين وضعوا هذا القانون المشئوم الأبتر إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام.
فهذا القول من أهواء الناس، والله تبارك وتعالى اللطيف الخبير، الذي هو أعلم بالناس منهم بأنفسهم، والذي شرع ذلك لهم، إنما هو لصالحهم، فنسبة النساء أكثر من نسبة الرجال؛ لأن الرجال معرضون للقتل في الحروب والعصابات والأوبئة، فيترتب عليه أن يكون عدد النساء أكثر من عدد الرجال.
أيتها المرأة التي تسمع كلامي! أيتها المرأة التي مات زوجها عنها وهي شابة، أو طلقها زوجها وهي شابة! ألا تتمنى هذه المرأة أن تكون في كنف رجل.
فالمرأة وقت وجود زوجها، تأبى عليه أشد الإباء أن يتزوج عليها وتهدده.
فهذه المرأة إذا مات الزوج وهي لا تزال بعد شابة، فهل يُقضى عليها بالإعدام، وتقضي حياتها كلها بلا زوج! ونقول للذين يدافعون عن حقوق المرأة -زعموا- ويقاومون الزواج الثاني! هذه المرأة لما مات عنها زوجها هل صارت وحشاً؟ أو صارت رجلاً؟ أو انتفى عنها وصف الأنثى، أو ما زالت امرأة؟ أليست هذه امرأة لها حقوق؟ فأين ذهب حقها؟ فالمرأة بعد وضعها الجديد ولو مضى على زواجها يوم واحد لا يعود بيت أبيها لها بيتاً، ولا تشعر فيه بالأنس والاستقرار؛ لأنها لا تعامل معاملة البنت البكر، حتى في بيت أبيها، فتنظر هي إلى حالها، من الممكن أن تكون هي المرأة القادمة التي يموت زوجها، أو يطلقها زوجها وهي شابة.
إذاً: هي لابد أن تحب لأختها من الخير ما تحب لنفسها، لاسيما إذا كان الرجل عادلاً مستطيعاً.