ضياع مبدأ الموالاة في عصرنا الحاضر

فذهب أهل الدنيا إذا أعطيت أحدهم؛ فأنت حبيبه، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى كشف هذه المسألة في القرآن، قال: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].

كنت أعرف رجالاً، وعلاقتي بهم كانت قديمة، ولا أعرف إن كانوا ماتوا أو لا زالوا على قيد الحياة، ناس من الذين وصلوا إلى قمة الهرم، ومنهم رجل وصل إلى وكيل أول وزارة من الوزارات، وقدر لي أنني كنت أخطب في المسجد الذي كان هو رئيس مجلس إدارة فيه في القاهرة، فبعض أصحاب الحي عملوا فيَّ وشاية، وعملوا بلاغاً لوزارة الأوقاف، فنحوني عن الإمامة، وأحضروا واحداً معه إعلام وسياسة واقتصاد، وأصعدوه على المنبر يخطب، وهذا الرجل كان لا يحسن أن يقرأ في كتاب الله عز وجل، وأنا أحسن حاجة كانت تعجبني فيه أنه كان يتحمس في الكلام، ولا أعرف لماذا يتحمس؟ يذكرني بقول القائل: ليس أضنى لفوائدي من عجوز تتصابى وذميم يتحالى وعليم يتغابى وجهول يملأ الأرض سؤالاً وجواباً هذه هي طبيعة علاقات الدنيا، لذلك ربنا قال: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]، وربنا سبحانه وتعالى قال (الأخلاء) ولم يقل الأصدقاء ولا الزملاء؛ لأن الخلة أعظم الحب، وما سمي الخليل خليلاً إلا بعد أن تخللت محبته قلب المحبوب.

ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى قال: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:125]، ولم يقل هذا في النبي عليه الصلاة والسلام، وهم يعلمون أن الخلة أعظم الحب، فقال (أتعجبون أن الله اتخذ إبراهيم خليلاً؟!) قال: (لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن)، فأثبت الخلة لنفسه صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه أعلى مقامات الحب.

والله عز وجل يقول: (يا من أحب الآخر حباً حتى تخلل حبه مسام قلبه؛ أنت عدو له إن لم يجمعك التقى معه).

إذاً: اعتبار الإيمان هو الاعتبار الوحيد بين المؤمنين الذي من أجله تحب وتكره، وبسبب إهمال هذا الاعتبار صار بعض المسلمين يعطون الود للكافرين ويحرمونه المؤمنين؛ لأجل أنهم مختلفون معهم في المصالح، ولذلك نحن نقسم العداوات مع أعداء الله وأعداء الرسل، نقسمها دركات على حسب القوة: كافر، ثم موالي للكافر -منافق- ثم مبتدع، ثم عاص، وكل واحد من هؤلاء له درجة في المعاداة، بحيث أننا لا نخلط بين هذه الدرجات، وحتى نستفيد من مسألة الولاء والبراء.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015