نماذج من حياة الصحابة في تقرير عقيدة الولاء والبراء

الصحابة الأوائل ضربوا أروع الأمثلة في عقيدة الولاء والبراء، فقد خرجوا من ديارهم وتركوا كل شيء جمعوه في حياتهم فداءً لله ورسوله، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال:72] آمن لكنه لم يهاجر، وكانت الهجرة علامة على الولاء لله عز وجل، فبرغم أنه مؤمن إلا أنه قال: (لا توالوهم حتى يهاجروا)، فالصحابة لما خرجوا من ديارهم وتركوا كل شيء، تركوا آباءهم وأبناءهم وأموالهم لله عز وجل، حتى إن بعض هؤلاء كان رجلاً كبيراً بلغ من الكبر عتياً، فوق الثمانين عاماً، ولكنه آمن وكره أن يعيش في برودة المجتمع الكافر، فخرج يقاوم سنه، ويقاوم قلبه وجوارحه، وخرج من مكة إلى المدينة ماشياً، فبينما هو في الطريق إذ أدركه الموت، فضرب كفاً بكف، وقال: اللهم هذه بيعتي لك، اللهم هذه بيعتي لنبيك، فأنزل الله عز وجل قوله: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100].

اعمل لله ومت حيث شئت {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ?وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:25 - 26] أي: جمعناهم على ظهرها ونجمعهم في بطنها، فكن عبداً لله ومت حيث شئت، كن في جوف سبع، كن في جوف بحر، ستصل إلى الله عز وجل.

وها هو صهيب الرومي رضي الله عنه، وكان قد جمع مالاً طائلاً وخبأه تحت جدار، ثم خرج هارباً بالليل، فعلم به المشركون فخرجوا وراءه، فأدركوه في الطريق، فقالوا له: جئتنا صعلوكاً لا مال لك، ثم تريد أن تخرج بالمال.

قال: أرأيتم إن أعطيتكم مالي تخلون بيني وبين وجهي؟ قالوا: أجل.

قال: فإن المال في مكان كذا.

فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما حدث، قال له: (ربح البيع أبا يحيى) ربح البيع لماذا ربح البيع؟ لأن الله عز وجل اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.

عقد بيع ينتظر توقيعك فقط، المشتري مضمون، لا ينكث أبداً، عقد بيع ينتظر توقيعك أنت فقط، فهل توقع؟ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111]، لذلك قال له: (ربح البيع أبا يحيى).

وهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وكان أبر الناس بأمه، حتى كان يضرب المثل ببره، فلما أسلم قالت: (لا آكل ولا أشرب حتى تكفر بدينك، لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي، فيقال: يا قاتل أمه).

وظلت يومين أو ثلاثة لا تأكل، حتى كانوا إذا أرادوا أن يطعموها فتحوا فمها بالعصا، قال: فجئتها فقلت لها: (والله يا أمي! لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بديني، كلي أو دعي) هذا هو الولاء والبراء، هذا هو الولاء لله عز وجل، كامل المحبة كامل الولاء، وولاؤك بقدر محبتك.

وذكر ابن هشام في سيرته أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ضرب ضرباً شديداً حتى كان يهذي، بسؤال واحد: ماذا فعل رسول الله؟ يسكتونه ويهدئون من روعه، وهو لا يكف عن هذا السؤال، حتى جاءت أم جميل بنت الخطاب وقد استدعوها: تعالي، طمئنيه، وهو لا يفتأ يقول: ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: هو بخير.

قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم.

أيها المسلمون: لقد عجز كثير من المسلمين أن يكونوا مثل امرأة مسلمة، لما مات أبوها وأخوها وزوجها، ثم لا تأبه بكل ذلك وتقول: وما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: هو بخير.

قالت: أريد أن أراه.

فلما رأته قالت: كل المصائب بعدك جلل لا قيمة لها!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015