محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة، والخوف، والرجاء؛ والمحبة أعظمها على الإطلاق.
هذه الثلاثة هي الحادي الذي يحدو القلوب في سيرها إلى الله عز وجل: {إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2]، وهذا الوجل له أثر عملي، وهو أن ينساب الدمع من العين، وهو أهم مظاهر الوجل المختلط بالمحبة، قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة:83] وكان هذا هو شأن الصحابة جميعاً، وما كان أحدهم إذا سمع القرآن يسقط مغشياً عليه، وقد قيل لـ ابن عمر رضي الله عنهما: (إن جماعة يسمعون القرآن فيصعقون -أي: من خشية الله- قال ابن عمر: والله إنا لنسمع القرآن ونخشى الله ولا نصعق)، لأن سماعهم كان أتم، وكانت قلوبهم في غاية الاستعداد لسماع قرع الموعظة.
أما الذي نزل في عباد البصرة، فكانت قلوبهم ضعيفة مع قوة آيات الذكر فلم يتحملوا، فالصادقون منهم كان يغشى عليهم، لكن جملة الصحابة كانوا ينكرون هذا، قيل لـ عائشة رضي الله عنها في ذلك، قالت: (إن القرآن أكرم من أن تنزف عنه عقول الرجال، ولكنه كما قال الله عز وجل: {مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:23]) وكذلك كان أنس بن مالك رضي الله عنه يقول.
أثر الوجل نزول الدمع، واقشعرار الجلد، وهي رعدة تحس بها في جسمك وفي قلبك، قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:2]، هذا نصيب الطائفة المؤمنة.
أما الكافرون فقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:31 - 32]، هذه هي محصلة سماع الذكر، أول ما يسمع الذكر يقول: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) لا يقول: فاهدنا إليه، إنما يقول: (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة) إذاً سماع الذكر زادهم طغياناً، بخلاف الذين آمنوا: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
التوكل: هو اعتماد القلب على الله، ليس التوكل كما ظن بعض الغالطين أنه ترك الأسباب بالكلية، فإن السبب جزء من التوكل، والذي يترك السبب بدعوى التوكل أحمق ضعيف العقل، فقد اتفق العلماء جميعاً، وتؤيده مئات النصوص من الكتاب والسنة: على أن السبب جزء من التوكل.
كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج من مكة إلى المدينة اختفى في الغار، ولو شاء لمشى، ولكنه اختفى حتى يبين أن الاختفاء عن الأعداء ليس قدحاً في توكله على الله عز وجل، ولما قال له أبو بكر رضي الله عنه: (لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا.
قال: ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، فإن الله عز وجل الذي خلق عباده وهو عالم بهم قادر على أن يعطل السبب إذا أراد: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [الأعراف:198] استخدم حاسة النظر نعم، ولكن نزع الله عز وجل منه هذه الخاصية خاصية إدراك الأجسام بالنظر، فالله عز وجل نزعها لأنه مالكهم، وهو ربهم وخالقهم، ولا يكون شيء في هذا الكون إلا عن إرادته.