قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مررت بموسى عليه السلام قائماً يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر ولو كنت هناك لأريتكم قبره) يعني: هو متأكد وليست بأوهام أو رؤى، بل يقول: لو كنت موجوداً الآن في محل ذاك الكثيب الأحمر لقلت لكم: هنا قبر موسى، وهنا كان يصلي! معالم في طريقه تنفي الادعاء والتوهم، وحقائق يقينية، ثم إذا به يرى موسى مع الأنبياء في استقباله، ويراه أيضاً في السماء السادسة، كان في الأرض ثم هو في السماوات!! كيف هذا؟! مر عليه بالبراق وهو يصلي، فإذا به يجده أمامه في السماء!! اسحبوا الكيف، فالكيف هنا ملغي، فلا يورد السؤال بالكيف والتشبيه والتكييف على ما كان فوق العادة وما كان خارقاً من المعجزات، لا تقل: كيف نبع الماء من أصابعه؟ كيف سبح الحصى في كفه؟ كيف حن الجذع إليه؟ كيف بردت النار على إبراهيم؟ لأن الكيف لا يسأل به عن الله ولا صفاته ولا أفعاله! إذاً: موسى كان يصلي في قبره، وهل الذين دفنوا موسى جعلوا له حجرة كبيرة، لأنه سيقوم ويقف ويصلي، أو أن هذا عالم البرزخ؟ هذا عالم البرزخ، وعالم البرزخ لا يخضع للمعقولات ولا للمنطق، إنه وراء المعقول، وقد قال صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى- (القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار) وجاء في الحديث أيضاً: (ويمد له فيه مد البصر) التراب كم فيه من الملايين؟ ولو مد لاثنين أو ثلاثة أو واحد مد البصر أين البقية؟! إذاً: لا تقل: كيف، فإنه قادر على كل شيء.
يقول ابن كثير في تاريخه في وقعة البحرين: لما ذهب العلاء بن الحضرمي ووجد العدو قد حاز السفن إلى الجزيرة قال لجنده: (إني عازم على أمر، قالوا: وما هو؟ قال: أن أخوض البحر ونعبره لنقاتل العدو!! -ليس عنده سفن ويريد أن يمشي على الماء- وقد أراكم الله في البر آية، وهو قادر على أن يريكم في البحر آية).
والآية التي أراهم الله تعالى في البر أنهم كانوا في صحراء الدهناء، وتلك المنطقة تبعد عن الرياض حوالي سبعمائة كيلو وكلها رمال، حينها نفد ماؤهم ولم يبق إلا الموت، فإذا بهم في ساعة اليأس والشدة ينظرون بأعينهم في وضح النهار إلى سحابة تأتي من بعيد حتى تقف فوقهم، وتمطر عليهم.
سبحان الله! ما الذي أوقفها عندهم؟! لماذا لم تحط حملها هناك؟ لماذا لم تتعداهم؟ فقد كان معها توقيت، كما قال الله: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} [الأعراف:57] فالله هو الذي يسوق السحاب ويسخره ويرسله، ثم أمطرت عليهم بأمر الله، فكيف تكون فرحتهم؟ لم يكونوا نائمين وقاموا ورأوا الماء، بل كانوا يرونها بأعينهم.