رعاية الإسلام لشجرة الأخوة

أيها الإخوة! حرم الله على المسلمين أفراداً وجماعات الاعتداء، وجعل كل عنصر من عناصر الحياة الحيوية الستة راجعاً عليها، فحفظ للأمة كيانها، ومن جانب آخر: جاءت الروافد التي تغذي تلك الشجرة العظيمة التي تستظل فيها شعوب العالم، انظروا إلى بداية السيرة النبوة، وبداية ظهور الإسلام، هل كان الإسلام عربياً؟! لا، فإن الله قد اختص واصطفى من العالم العرب، واصطفى من العرب بني هاشم، واصطفى من بني هاشم محمداً صلى الله عليه وسلم، ولكن هل جعله للقرشيين، أو للهاشميين، أو للعرب؟ لا.

بل للناس كافة، ولهذا وجدنا تلك الدوحة الرائعة بأغصانها المورفة، وظلالها الناعمة؛ يستظل فيها سلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، بأي معنى من المعاني وصلوا لهذا؟ أبعرق القومية العربية، أو بعرق التربة والأرض؟ لا والله، إنما هو بإخوة الإسلام.

ولما اختلف الأنصار مع المهاجرين بشأن سلمان في حفر الخندق، وذلك حينما جعل صلى الله عليه وسلم راية للمهاجرين وراية للأنصار، جاءوا في سلمان واختلفوا، هؤلاء يقولون: سلمان منا؛ لأنه مهاجر من بلاد الفرس إلى المدينة، وهؤلاء يقولون: لا؛ لأنه كان هنا ينتظر قدوم رسول الله حتى جاء، والرسول صلى الله عليه وسلم يفض النزاع بينهم، فيقول: (سلمان منا آل البيت)، بأي معنى يصبح من آل البيت؟ أبشهادة ميلاد؟ أم بحفيظة وبطاقة شخصية؟ لا والله، لا بعرق ولا بدم ولا بجن ولا بإنس ولا بشيء، إلا بالإسلام، ولهذا كان يقول: أبي الإسلام لا أب لي سواه إن افتخروا بقيس أو تميم ما رجع للعنصر الفارسي، بل قال: أبي الإسلام لا أب لي سواه، ولذا قيل: لقد رفع الإسلام سلمان فارس كما وضع الكفر النسيب أبا لهب سلمان فارس رفعه الإسلام، والكفر وضع أبا لهب صاحب أعلى نسب في قريش.

إذاً: جعل الله الروافد لتلك الدوحة ليستظل بها وينعم فيها جميع شعوب العالم، وتلك الروافد التي تغذيها كل يوم وكل شهر وكل سنة، بل وكل لحظة، كما قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9]، فتلتقي أنت وأخوك هناك، هذا في السوق الشرقية، وهذا في الغربية، وهذا في الشمال، وهذا في الجنوب، فإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة أتيتم تسعون لذكر الله.

في اليوم يعلن خمس مرات: حي على الصلاة حي على الفلاح، فيلتقي أهل الحي كل يوم خمس مرات، ويلتقي أهل القرية كل أسبوع مرة، ويلتقي أهل المدينة كلهم في كل يوم عيد فطر وأضحى، ويلتقي أبناء العالم الإسلامي في كل حج في عرفات ومنى، هذه كلها روافد تغذي تلك الشجرة، ويلتقي المسلمون في كل موعد من تلك المواعيد.

ويأتي الصيام: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183]، لسنا نحن فقط بل نحن وغيرنا حتى يربطنا بالأمم الماضية، وكذلك الصلاة: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125]، وكذلك الزكاة حق للمسكين: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:24]، تلاحم وترابط وتعاون وتعاطف يفرض الإسلام على الغني حصة من ماله (2.

5%) للفقير المحتاج، أي نظام في العالم يربط الأفراد بعضهم ببعض بالمال إلى هذا الحد؟ لا يوجد، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]، هم تطهرهم وهم تزكيهم؟ هل هذا المعنى المزدوج موجه لطائفة واحدة وهي المأخوذ منها المال، أم أنه غير موزع على الطائفتين المأخوذ منها والمأخوذ لها؟ يقول المحققون من العلماء: إنها موزعة على طبقات الأمة الأغنياء والفقراء سواء؛ لأن الفقير حينما يرى المال عند الغني وهو محروم منه يحصل في قلبه حقد عليه، إذ كيف يأخذ المال ويتنعم به وهو محروم منه بالكلية؟ فإذا ما عدل الغني وأعطى الفقير حقه من هذا المال طابت نفسه وذهب منه الحقد.

مثلاً: بستانك مثمر وجارك ليس له شيء، يرى النخيل يزهر، ثم يراه يرطب، ثم يراه يتمر، ثم تجنيه في الليل وتدسه في بيتك ولم ير منه شيئاً، ماذا سيقول؟ يقول لك: الله يحرقه عليك، يقول: إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر، لكن إذا كان موقفك أول ما تظهر الثمرة وتزهي أن تقول: خذ هذا العذق، وإذا أرطبت قلت: خذ هذا الصندوق، وإذا جنيت، نظرت كم وسقاً فيه، ثم أخرجت اثنين ونصف في المائة حق الفقير، ماذا سيكون موقف هذا الفقير من بستانك؟ إذا قام في الليل ورأى النار فيه، هل يقعد ينظر؟ بل يكون أسبق منك إلى إطفائها؟ إذاً حينما يأخذ الصدقة تطيب نفسه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015