أما ما بعد ذلك فلو قال قائل: من أين دخل على المسلمين أن يستدلوا على شريعتهم بما ليس من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أو الإجماع المبني على النص؟
قيل: ما سمي بالدليل المختلف فيه وأوله القياس، وما يتعلق بأقوال الصحابة، والاستصحاب، ولك أن تقول: إن الاستصحاب قدر متقدم على قول الصحابي؛ لأنه بمعنى المتولد من الدليل الشرعي المنضبط.
وقد قلنا: إن الكتاب والسنة والإجماع هي أدلة لا يجادل أحد في شرعيتها، ومن تكلم في الإجماع لم يتكلم في صدقه إذا صح، إنما تكلم في إمكان صحته، ومتى يكون ممكن الصحة.
وأما إذا صح وانضبط فلا أحد يجادل أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة.
إذًا: فالدليل المختلف فيه لك أن تسميه بالدليل المتولد من دليل الشريعة المنضبط، فالقياس عبارة عن دليل متولد، وكذلك ما يتعلق بالاستصحاب، فهذان الأصلان من الاستدلال -ولا سيما القياس والاستصحاب- لهما قدر شائع عند العلماء، وكأن عامة أهل العلم المتقدمين -أو جماهير الأئمة المتقدمين- كانوا على تصحيح الاستدلال بمسألة القياس، وإن كانوا متفاوتين في اعتبار هذا الدليل، ولا شك أن ثمة فرقاً -مثلًا- بين فقهاء الكوفة وبين فقهاء المحدثين، أو بين أئمة المحدثين -فضلاً عن فقهائهم- في مسألة اعتبار القياس دليلاً، وسوف يأتي التنبيه إليه فيما يلحق من المسائل.
المقصود: أن هذه المسائل المختلف فيها هي أدلة شرعية في الجملة.