من المعلوم أن دليل العقيدة أو أصول الدين هو: الكتاب والسنة والإجماع.
وكذلك إذا ذكرت دليل الفقه فإنك تقول: الكتاب والسنة والإجماع.
وهذه الأدلة الثلاثة مجمع عليها بين فقهاء المسلمين أجمعين، وثمة أدلة أخرى، وهي ما سماه أو اصطلحه بعض الأصوليين -وهي تسمية مناسبة-: الأدلة المختلف فيها، وهي تبدأ من القياس، وقول الصحابي، والاستصحاب، وهذه منزلة أولى في ما سمي بالدليل المختلف فيه، ثم تأتي منزلة ثانية دون هذه المنزلة، وهي ما سمي بالمصلحة المرسلة، وعمل أهل المدينة، والاستحسان، ونحو ذلك.
والأصل في دين الإسلام أن الاستدلال يكون بالكتاب والسنة، وهذا كقاعدة شرعية ضرورية الديانة: أن الدليل هو ما جاء عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومعلوم أن الإجماع إذا ذكر -ومسألة الإجماع فيها كلام كثير- وما عليه جملة من المتقدمين -كما يذكره الشافعي في الرسالة، وابن تيمية في الواسطية وغيرها، ونص عليه أبو محمد بن حزم - أن الإجماع المنضبط هو إجماع الصحابة أو إجماع الطبقة الأولى من الأمة في المسائل التي ضبط الإجماع فيها، بمعنى: أنه ربما زعم الإجماع على مسائل من الفروع ليس أمرها على باب الإجماع المحقق، ولما أدرك من أدرك من الأصوليين هذا المعنى تكلموا في ما سمي بالإجماع الفقهي والإجماع الظني، أو ما يسمى بالإجماع السكوتي.
فإذاً: الإجماع إذا صح وانضبط فإنه مبني على الكتاب والسنة، بمعنى: أنه لا يمكن أن يجمع العلماء على مسألة إلا وفيها نص من الكتاب أو السنة على الحكم، سواء كان هذا النص خاصاً أم بتواتر دلالة عامة.
فإذا قيل: إن كل إجماع فيه نص، فربما كان هذا النص نصاً خاصاً، وربما كان النص -أو معنى النصية هنا- عبارة عن تواتر دلالة على هذا الحكم؛ ولذلك قد تجد أن المجمعين من الأئمة يختلفون في تحصيل مناط هذه المسألة ومبتدئها من دلائل الشريعة.