ثالثاً: أن الله تكفل بحفظ دينه، وقد يقول قائل: إن المناهج قد اختلفت علينا وكثرت السبل، وكثرت دعاوى السنة، ولم يعد الدين واضحاً، فنقول: ليس الأمر كذلك؛ فإن الله عز وجل كما أكمل الدين فقد تكفل بحفظ دينه وبقائه، فقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، مؤكدات قاطعة أن هذا الدين سيحفظ.
ثم الخبر الصادق عن النبي صلى الله عليه وسلم المتواتر بأن طائفة من هذه الأمة ستبقى ظاهرة: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، والظهور يشمل ظهور العيان ظهور الحجة ظهور القدوة ظهور العلم ظهور العمل ظهور المناهج، وهذا أمر بدهي أن يكون الظهور من كل وجه، وإلا فمتى يكون وصف النبي صلى الله عليه وسلم على حقيقته، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، فهو لا ينطق عن الهوى.
ثم فسر أمر الجماعة بتفسيرات أخرى، قال: (لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى أن تقوم الساعة)، وسمَّاهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وسماهم الجماعة، وسماهم الصحابة رضي الله عنهم بأسماء تدل على أنهم أهل الحديث وأهل الأثر الخ.
وهذه الصفات بمجموعها توجب -حتماً- أن السنة بيِّنة واضحة لا يزيغ عنها إلا هالك، وأن الله عز وجل تكفل بحفظ الدين، ومن مقتضيات الحفظ: بقاء طائفة تكون هي القدوة؛ لأن الدين لا يكون مجرد مثاليات، أو نظريات.
فكما حفظ الله الدين بمصادره -وهو القرآن والسنة- كذلك حفظ وضمن لنا العمل به، وحفظ لنا وجود القدوة وضمنها إلى قيام الساعة، ويلتمس ذلك ببقاء الطائفة الذين هم على الحق ظاهرين، وهم أهل السنة والجماعة.