المقدم: لو توضح ماذا تقصد بتجاوزات الأتباع؟ الشيخ: تجاوزات الأتباع هي: أنه كأي مبدأ في العالم، أو كأي دين، أو كأي مذهب، سواء كان حقاً أم باطلاً، لا بد أن يوجد من أتباعه من يخالفون المنهج الذي هو عليه أو يخالفون الأصول، كالإسلام مثلاً، فهو دين أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد وجد من أتباعه من يتجاوزون الأصول أو الضوابط، فيخرجون إلى ما يخالف الدين أو يضاده، ولذا فمن الطبيعي أن يكون من أتباع هذه الدعوة، أعني: من أتباع السنة والجماعة -الدعوة بحقيقتها ليست إلا السنة والجماعة، بل هي أصل الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كما أسلفت، وأتباع السلف سواء كانوا علماء قد يزل منهم فتحسب زلته على الدعوة وعلى السنة، أو طلاب علم فضلاً عن عامة الأتباع- من يظهر منه أخطاء، سواء في العقيدة، أو في السلوكيات، أو في منهج التعامل مع الآخرين، أو في الحوار والدفاع عن الإسلام.
المقدم: إذاً يا شيخ ما المنهج الصحيح في التعامل مع أخطاء هؤلاء الأتباع؟ الشيخ: أخطاء الأتباع توزن بالمنهج، والآن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ذات منهج واضح بين ومرسوم في كتب ومؤلفات، وفي مجتمع طبق مبدأ السنة والجماعة، منذ أن بدأت الدعوة في عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب وقبل أن يتوفى قام لها كيان ودولة -التي هي الدولة السعودية الأولى- مهيبة ذات كيان متكامل، فأقامت مجتمعاً إسلامياً متكاملاً بالنسبة لمقاييس عصره، هذا المجتمع بتطبيقاته وبعلمائه وبدولته هو المقياس والمنهج العام، ومن هنا نحاكم أي تجاوزات إلى هذا المنهج، وأعود فأقول: إن المشكلة التي أوجدت لنا كثيراً من اللبس والإشكالية الكبيرة: هي أنه فعلاً يوجد منا نحن أتباع هذه الدعوة أتباع السنة، بل أتباع نهج النبي صلى الله عليه وسلم من قد يتجاوز هذا المنهج وتحدث منه أخطاء، وعند ذلك نجد الخصوم بالطريقة الانتقائية الظالمة غير العادلة يلتقطون هذه الأخطاء أياً كان نوعها، فردية أو جماعية من بعض الفئات، وخاصة الذين ينتسبون إلى السلفية في خارج المملكة العربية السعودية، وفي خارج جزيرة العرب، فهؤلاء قد يكون بعدهم عن المنبع الصافي للإسلام وعن مهبط الوحي وعن التطبيقات النقية للسنة يجعلهم يقعون في تجاوزات منهجية أو عقدية، أو في مواقف فردية أو جماعية، هذه التجاوزات أو الأخطاء تحسب علينا على منهج غير موضوعي ولا علمي.
لذا أعود فأقول: أنادي أتباع هذه الدعوة والمنصفين من غيرهم بأن يبرزوا هذه الإشكالية، وينبهوا الناس، ويقيموا الحجة على الخصوم، وأن ما يحدث من تجاوزات من أتباع هذه الدعوة أياً كانوا، علماء كباراً أو عواماً -زلة العالم محتملة؛ لأنه لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم- فإنها تحاكم إلى المنهج، ويرجع فيها إلى المنهج، وما وافق المنهج فهو الحق وما خالف المنهج فنحن منه براء.
المقدم: المشكلة يا شيخ أنه أحياناً تجد من أتباع هذه الدعوة من تفهم من خلال كلامه أن عنده نوعاً من الانهزامية في انتسابه للدعوة؛ بسبب ما يحدث من أخطاء من بعض الأتباع، فإذا قلت له مثلاً -كما سيأتينا في الإشكالات-: إن التكفير في دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب هو التكفير في الإسلام بضوابطه وبشروطه وبأدلته، يقول لك: انظر في الكتاب الفلاني ستجد أنه قد كفر الفئة الفلانية أو البلدة الفلانية، وأحياناً قد تكون أخطاء علماء.
الشيخ: اجتهادات خاطئة، وعلى أي حال فكما قلت: إن في كلام المنصفين من غير أتباع هذه الدعوة ما يجلي هذه الحقيقة.
المقدم: نعم، فلو نظرنا الآن يا شيخ إلى هذه الدعوة وأتباع هذه الدعوة -أتباع النبي عليه الصلاة والسلام- بشكل عام سنجد أن الخصوم أو المخالفين ينظرون في سقطات أتباعهم على أنها منهج عام، والصحيح أن يقولوا: إن المنهج العام للمذهب الفلاني مثلاً هو كذا، إلا أن فلاناً وفلاناً قد خالفوا، وهذا من الإنصاف.
الشيخ: بل هذا هو الموضوعية والإنصاف والعدل، والذي يجب أن تحاكم به أخطاء المنتسبين لهذه الدعوة المباركة، لكن كما قلت: الأمر ينطلق من شهية البحث عن العثرات، والانتقائية في التقاط الزلات، وجعلها منهجاً عاماً، وهذا أمر يحتاج إلى تجلية وإن كان جلياً من قبل كثير من الباحثين وعلماء الدعوة، لكن المشكلة هي إعراض الناس عن البحث عن حقيقة هذه الدعوة من تراثها، الذي هو الوثائق كما سيأتي الإشارة إليه.