من الأمور التي يجب أن يعنى بها العلماء وطلاب العلم في توجيه هذه الصحوة المباركة وتأسيسها على الأسس السليمة.
أولاً: تأسيس أمر الدعوة والمسلمين والصحوة على عقيدة التوحيد، على عقيدة أهل السنة العقيدة الحقة، تأسيساً قوياً متيناً في العلم والعمل، وفي الفكر والثقافة، وفي التصورات، وفي العبادات والعادات أيضاً، بل وفي التعامل والمواقف، وفي الأحكام والأحداث، وفي جانب الولاء والبراء.
فلا بد من البصيرة، كما أمر الله سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] فالبصيرة هي إبصار الحق عن الحق، وهذا لا يتم إلا بتأسيس العقيدة السليمة، لا تتم البصيرة بمجرد الثقافة العامة للإسلام، وبمجرد الولاء والعاطفة، وبمجرد التجمعات والمناهج التي تؤسس على غير عقيدة.
فالعقيدة هي البصيرة التي تهدي المسلم إلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى، تهديه إلى طريق النصر، إلى تحقيق الإسلام الحقيقي في هذه الأرض.
وهذا هو أهم أمر وأخطره وأوله وهو الضرورة القصوى، بل إنه هو الضامن لكل خير، وهو أيضاً الضامن في دفع كل شر وكل انحراف وضلالة في طريق هذه الصحوة خصوصاً، وفي حياة المسلمين على وجه العموم، ذلك أن العقيدة هي الإسلام، وذلك أن العقيدة هي السنة، وهي سبيل المؤمنين، وهي الصراط المستقيم، وأن الانحراف في العقيدة هو الذي أودى بالمسلمين إلى هذه الحال.
هذا أمر قطعي نعرفه من سنن الله تعالى القدرية والشرعية، بل نعرفه أيضاً من حال النبيين والمرسلين وهم أفضل الدعاة، فكل الأنبياء كانوا يأتون أولاً لتصحيح العقيدة، للدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك، بل يقضون جل وقتهم في ذلك، ويكون أغلب الوحي الذي ينزل عليهم ينزل في هذه القضية.
فمثلاً: هذا القرآن كتاب الله أغلبه جاء في تحقيق العقيدة وتقريرها والدفاع عنها، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أكثر زمن النبوة في غرس العقيدة، ثلاث عشرة سنة في العهد المكي كلها في غرس العقيدة، ثم عشر سنين في العهد المدني أغلبها في غرس العقيدة، رغم ما كان على النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر بالجهاد وتحقيق شرائع الإسلام، فإنه مع ذلك كانت العقيدة هي الركيزة الأولى، وأكثر الوحي الذي نزل نزل في تقريرها.
وقد يقول قائل: إن هذا في أول نشأة الإسلام، أما الآن وقد اكتمل الدين فلا حاجة؟ لكن هذا يرد بحال المسلمين، فحال المسلمين اليوم أغلبها تخالف العقيدة، فقد كثرت فيهم البدع والانحرافات والشركيات، وكثرت فيهم الضلالات التي جرفتهم عن طريق الحق، لذلك أغلب المسلمين في العالم في سبيل الافتراق، ومنطوون تحت لواء الافتراق والأهواء والمحدثات في الدين والبدع.
فإذا كان كذلك فهذا يعني: أننا نحتاج إلى تصحيح العقيدة واستئنافها، وأننا نحتاج حاجة ضرورية إلى تأسيس هذه الصحوة على العقيدة السليمة، وما لم تتأسس على العقيدة السليمة فستكون هذه الصحوة كارثة، ولذلك أغلب عيوب الصحوة القائمة الآن والتي نرى منها ما قد يحرج كثيراً من المسلمين، أغلب عيوب الصحوة منشؤها ضعف العقيدة أو الجهل بها، أو انحراف أصلي في تأسيس الدعوة.