Q علمنا بلا شك أن للعلماء مكانة واحتراماً خاصاً بهم، فعند استفتاء بعض العلماء في أمور الدعوة التي لا يعرف مصالحها ونتائجها الإيجابية إلا من عاصرها، فيفتي -مثلاً- العالم بعدم الجواز في هذا الأمر، فلا نقول: هذا من جهله؛ لأنه ربما لم يطلع ولم يعاصر هذا الأمر، ويعرف نتائجه الإيجابية والمصلحة الراجحة فيه، فأرجو توضيح هذا الأمر والفصل فيه؟
صلى الله عليه وسلم هذا الكلام في الحقيقة جيد، وهو يعالج معاناة كثير من الشباب الذين يسمعون بالشعارات والدعوات وغيرها، وكلام السائل أوافقه فيه على الكثير، لكن هناك نقطة لا أوافقه عليها، وهي أن العلماء لا يدركون ما عليه الدعوات؟ فأقول: العلماء يدركون ذلك، لكن منظورهم لهذه الدعوات غير منظور من يعيش فيها أو من يراها، وأنا أعرف أن كبار المشايخ والعلماء يرد إليهم من أخبار الدعوات وأحوالها وأحوال أشخاصها ما لا يرد إلى أتباعها أنفسهم.
وعندي على هذا البرهان، فمشايخنا الكبار يرد عليهم من أحوال الدعوات وأخبارها وأخبار أصحابها وأخطائهم وحسناتهم أكثر مما يعرفه أتباعها، لكن نظرتهم في التشخيص تختلف لاختلاف الأصل الذي يحكمون به، فهم يقومون تقويم المنصف بين النظرة إلى الحسنات والسيئات، والذين يعيشون للدعوات -سواء المتحمسين لها والمتحمسين ضدها- ينظرون بمنظار واحد، فالمتحمسون ضد الدعوات لا يعرضون إلا الوجه السيئ، والمتحمسون مع هذه الدعوات لا يعرضون إلا الوجه الحسن.
وأكثر الأسئلة التي ترد إلى المشايخ من هذا الوجه من طائفة لا يرضون ما عليه الدعوات، فيعرضونها بعرض يكاد يكون الجواب فيه، والذين لهم حماس مع الدعوات وأصحابها يعرضون أمرهم على المشايخ بشكل يوحي بالجواب، بمعنى: أنهم يعرضون الجوانب الإيجابية والنافعة، ومع ذلك من العلماء من أنصف وقال قولاً يدل على ترويه، وإن كان لا يعجب لا هؤلاء ولا هؤلاء، وأغلب فتاوى المشايخ في الدعوات لا تعجب الفريقين، لكنها تعجب المتروي المنصف الذي ينظر في الأمر نظرة شرعية تحقيقية، فهذا أمر.
والأمر الآخر: أنا أرى أن قضية الدعوات الإسلامية كلها في العالم هي من أهم وأخطر النوازل التي تحتاج إلى مزيد وقت ومزيد جهد ومزيد استقصاء ومزيد دراسة، وليس الذنب ذنب العلماء ولا التقصير تقصيرهم، فهم لم يقصروا ولم ينقصهم الوعي والإدراك فيها، إنما أصحاب الدعوات أنفسهم لم يعرضوا أمورهم ومشاكلهم بشكل واف على المشايخ، فهم عندهم مشكلات يريدون من المشايخ أن يرقعوها، وعليهم مآخذ يريدون من المشايخ أن يدافعوا عنها، وهذا هو مسلك لجوء الناس إلى المشايخ، وإلا ففي الحقيقة فإن الأمر يحتاج إلى أن تدرس القضية دراسة وافية وتعرض عرضاً وافياً كما اقترحت، وهذا أمر يدركه سائر طلاب العلم.
إذاً: فالذنب ليس ذنب المشايخ والقصور ليس قصورهم، بل لم يقصروا في رؤيتهم أبداً؛ لأن عندهم من النظرة الشمولية ما لا يوجد عند كبار رواد هذه الحركات، بل رواد هذه الحركات يعيشون في دوائر مغلقة، والعلماء يعيشون في دوائر مفتوحة لا يحجب دونها أي حاجب ولا حاجز.