المسألة الأولى: التعريفات المتعلقة بعنوان المحاضرة: (العلماء هم الدعاة).
فالعلماء: هم العلماء بالشرع العالمون به، والمتفقهون في الدين، والعاملون بعلمهم على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة، والداعون إلى الله على هدى وبصيرة.
وعلى هذا فالعلماء بحسب هذا التعريف هم الدعاة بداهة؛ لأنهم هم ورثة الأنبياء، والأنبياء هم الدعاة، وأجدر من يتصدر للدعوة بعد الأنبياء -وقد انقضت النبوة وانتهت- هم العلماء؛ لأنهم ورثة الأنبياء، والعلماء هم حجة الله في أرضه على الخلق، والحجة لا تقوم إلا على لسان داعية وعالم وقدوة، وعلى هذا فهم أجدر الناس بالدعوة.
والعلماء هم أهل الحل والعقد، وهم المؤتمنون على مصالح الأمة العظمى، وعلى دينها وعلى أمنها، ومن باب أولى أن يكونوا هم المؤتمنين على الدعوة.
والعلماء هم أهل الشورى، وإذا كانوا يستشارون في جميع مصالح الأمة وفي دينها ودنياها، فمن باب أولى أن يكونوا هم أهل الشورى في الدعوة وقيادتها.
والعلماء هم أئمة الدين، والإمامة في الدين فضل عظيم وشرف ومنزلة رفيعة، والإمامة في الدين تقتضي بالضرورة الإمامة في الدعوة، وما الدين إلا الدعوة وما الدعوة إلا الدين.
والعلماء هم أهل الذكر، وعلى هذا فهم أهل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والعلماء أفضل الخلق، وأفضل الخلق هو الداعي إلى الله، والداعي إلى الله هو أفضل الخلق.
والعلماء هم أزكى الناس وأخشاهم لله، وإذا كانوا كذلك فهم أجدر بأن يدعو إلى الله على هذه الصفات، وهم الأجدر بأن يكونوا هم القواد والرواد للدعوة.
والعلماء هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وما غاية الدعوة إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إذاً: فالعلماء هم الدعاة، وهذا على وجه العموم، وهم أهل لهذه الخصال على وجه العموم، ولا يلزم أن تتوافر هذه الخصال في كل عالم، فالكمال لا يكون إلا لله سبحانه، لكنهم في الجملة، أي: العلماء، هم أهل لهذه الخصال بجملتها.
والعلماء لا يمكن أن تخلو أرض منهم، وهذا دفع لدعوى قد يدعيها بعض الجهلة ممن ينتسبون للدعوات بأنه لا يوجد علماء قدوة، أو أن العلماء الذين يقتدى بهم مفقودون، أو نحو من هذه الدعاوى التي لا تجوز شرعاً، بل هي مخالفة للواقع ولصريح النصوص، فالله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ هذا الدين، وتكفل ببقاء طائفة من هذه الأمة ظاهرة منصورة، وأمرها بين، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بأهل الحجة وهم العلماء، والصفات التي قد ذكرتها تتوافر في مجموعهم في كل زمان وفي كل مكان، وكل وقت وكل مكان بحسبه.
أما بالنسبة للدعاة وقد عرفنا أن العلماء هم الدعاة، لكن تنزلاً للمصطلحات والألفاظ، فإنا نقول: الدعاة هم الداعون إلى الله على سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى بصيرة وفقه في الدين، وأول من تتوافر فيهم هذه الصفات هم العلماء؛ لأن الله عز وجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]، ولا شك أن أتباع الأنبياء بالأولى هم العلماء.
والدعوة: هي السعي لنشر دين الله عقيدة وشريعة وأخلاقاً وبذل الوسع في ذلك، ويتحقق هدف الدعوة إلى الله بالعلم والعمل والقدوة، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح، وهذه الأركان -على الأصح- أكثر ما تتوافر في العلماء، وهنا قد يرد سؤال عند بعض الناس: هل الدعوة مقصورة على العلماء؟ أو نقول بلفظ آخر: لا يدعو إلى الله إلا عالم؟! ف
صلى الله عليه وسلم لا؛ لأن أي مسلم قد عرف شيئاً من الدين وتبصر به لزمه أن يدعو إليه بعد هذا التبصر وفقه المسألة، وهذا هو الذي تتوجه إليه النصوص الشرعية، وعليه عمل السلف.
أما قيادة الدعوة وريادتها وتوجيهها فلابد أن تكون من العلماء وفي العلماء، فيتصدرون الدعوات في كل أمر ذي بال، وعليه لابد أن نجعلهم هم القادة، وهم المرجع، وهم الموجهين في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يكفي أن يكونوا مجرد مستشارين عند الحاجة كما يفعل كثير من الدعاة.
كذلك قد يرد سؤال آخر أو استدراك آخر ألا وهو: العلماء لم يرفعوا راية للدعوة.
فأقول: هذا الإشكال إن صح فهو يحتاج إلى تعديل، وهو أن الأصل في أهل العلم أن يسعى إليهم؛ ولا يسعوا إلى الناس، والأصل في أهل العلم أن يكون لهم سمت، وأن يكون لهم حق على الأمة، وأن يلتف حولهم عامة الناس أو خاصة طلاب العلم، كما أن الأصل ألا يرفعوا فوق رءوسهم رايات أو شعارات، ثم يطلبون الانتماء إليهم ونحو ذلك مما هو من لوازم بعض الدعوات المعاصرة مع الأسف؛ لأن رفع الرايات والشعارات للدعوات من قبل من لهم شأن في الأمة ليس هو من سمت السلف، بمعنى: إخضاع العلم للدعاية أو للشعارات أو الانتماءات هذا لم يكن من سمت السلف، بل هو من خصال أهل الأهواء والفرق.