Q ما رأيك فيمن يقول: إن الفطرة من أصول العقيدة، ويستدل بقول الله جل وعلا: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30]؟
صلى الله عليه وسلم هذا الكلام مجمل، ويحتاج إلى تفسير، وكثير مما يرد النزاع فيه من مثل هذه المسائل أو غيرها فأغلب النزاع سببه عدم اتفاق المتنازعين على المفهوم، أو على تنزيل القضية على الحالات التي تنزل عليها القضية، فالذي يقول: (يستدل بالفطرة أولاً) ماذا يقصد بالفطرة؟ ثم ماذا يقصد بدلالة الفطرة؟ هل يقصد: يستدل بالفطرة في تقرير الدين، وتقرير أصول جديدة للدين، أو أحكام أو أدلة؛ فعلى هذا فإن الفطر لا تجدد: لا في أصول الدين ولا في الأحكام ولا في الأدلة، وإلا إننا قد وضعنا مصدراً جديداً للوحي، أو مصدراً بديلاً للوحي، أو رافداً للوحي، وهذا لا يرد، إذا ورد على الوحي شيء يخرجه عن العصمة؛ خرج من مقتضى اليقين إلى مقتضى الظنون، لأن الفطرة مهما كانت دلالاتها تبقى ظنية، فالبشر مهما كانوا ومهما كانت عقولهم وفطرهم فليس لهم قول قاطع في الغيبيات، فالفطرة رافد الفطرة نستمد منها الدلالة من أدلة الأحكام، (الإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس)، هذا فيما يتعلق بالتمييز بين النافع والضار بين الحسن والقبيح، فيما يدخل في قواعد الشرع، وإلا لو أن أمراً من الأمور قبحه الشرع؛ فلا يجوز أن نستسيغه بالفطرة، ولو أن أمراً من الأمور حسنه الشرع؛ فلا يجوز أن نقبحه بالفطرة، لأن الفطرة هي خلق الله، والشرع والدين كلام الله وأمره، فلا يمكن أن يتعارض الخلق مع الأمر.
فإذا كان كذلك فإن دلالة الفطرة رافدة دلالة الفطرة لتأييد الاجتهاد في التمييز بين الأمور الخلافية وبين أمور الأحكام الاستنباطية.
لكن قواعد الدين وأصول الدين وقطعيات الدين هذه لا يمكن أن يكون للفطرة فيها إلا التأييد؛ لأنه إذا قررها سبحانه فهو خالق الفطرة.
إذاً: هذا من باب العبث والتلاعب بالألفاظ وعدم الدقة، وربما صاحبه يقصد المعنى الآخر، وهو أن الفطرة تدلنا على دلالة النصوص في التحسين والتقبيح في الاجتهاديات، أما في غير الاجتهاديات فلا، لا للعقل ولا للفطرة مجال.