إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن من أعظم المصائب التي ابتلي بها المسلمون في عصورهم المتأخرة تقليد الكفار، واتباع سبيلهم في كثير من الشئون، فقد اتبعت طوائف من هذه الأمة سبيل الكافرين في أمور عظيمة، بل فيما يتعلق بالعقائد والأحكام والشرائع والشعائر والأعياد والأخلاق والآداب التي تتنافى مع الإسلام.
وكان من أبرز مظاهر هذا التقليد تقليد الكفار في أعيادهم، أو مشاركتهم في شيء منها بأي نوع من أنواع المشاركة التي حذر الله منها، وحذر منها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع أئمة الدين على التحذير منها.
فكان على طلاب العلم البيان والنصح للأمة فيما يتعلق بهذه الأمور الخطيرة، وبآثارها السيئة على المسلمين في دينهم ودنياهم.
وفي هذه الأيام تكثر أعياد طائفة من أهل الكتاب: اليهود والنصارى، فيقع كثير من المسلمين في المحظور؛ إما بالمشاركة في هذه الأعياد مشاركة كاملة، وإما ببعض المشاركة الجزئية، كالتهنئة، أو إتاحة الفرصة للكفار لإظهار أعيادهم بين المسلمين أو نحو ذلك مما هو معلوم، لذا كان لا بد من الحديث عن الأعياد وأحكامها.
وسأبدأ هذا الحديث بالتعريف بمفهوم العيد؛ ليتبين ما هو العيد؟ ومتى يكون العيد عيداً؟ وليتبين أيضاً ما يخفى على كثير من الناس من وقوعهم في بعض الاحتفالات والمناسبات التي هي بمثابة الأعياد دون أن يشعروا بذلك.
فالعيد في اللغة: مأخوذ من عاد يعود، إذا تكرر ورجع بعد انصراف، وهو أيضاً في اللغة: اسم لما يعود ويتكرر من زمان أو مكان أو هما معاً، ويدخل في ذلك المناسبات والآثار ونحوها كما سيأتي تفصيله.
ويطلق على العيد في اصطلاح غالب الأمم: كل ما يعود ويتكرر زمانه أو مناسبته، أو يحتفل به أو يحتفى به، أو يجتمع عليه من الأيام أو المناسبات أو الأمكنة التي تهتم بها الأمم على أي نوع من أنواع الاهتمام.
ومن ذلك على سبيل الإجمال: أولاً: الاحتفال بالذكريات السارة، فأيّ نوع من أنواع الاحتفال الذي لم يرد في الشرع إذا تكرر وأخذ صبغة التقليد أو العادة أو الاعتياد عليه فإنه يعد عيداً، كأعياد الميلاد، وأعياد الاستقلال، وأعياد الوطن، وقد تسمى أحياناً بأيام الوطن، أو الاستقلال أو نحو ذلك من المسميات.
ثانياً: الذكريات غير السارة، فبعض الأمم قد تهتم بالذكريات المؤلمة، فتعيد الذكرى بها كنوع من المأتم وإظهار الحزن، أو ليكون ذلك من المظاهر القومية التي تعتز بها.
ثالثاً: الأماكن التي تتخذ مزاراً، كالمشاهد والآثار والبقاع، وكذلك الأماكن التي تهتم بها الأمم أو الشعوب ولم تشرع زيارتها؛ فإن الزيارة لها على وجه متكرر يعتبر عيداً، والمكان الذي يزار ويتخذ مزاراً يعتبر من الأعياد، كما ورد ذلك في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: إحياء الآثار والأسواق القديمة على شكل عوائد أو آثار جاهلية أو نحو ذلك، فإن إتيان هذه الأماكن والاحتفاء بها، أو حتى الاهتمام بها بأي نوع من أنواع الاهتمام على وجه غير مشروع يعتبر من العيد الممنوع، كالاهتمام مثلاً بأسواق الجاهلية: كسوق عكاظ، وذي المجاز، ومجنة وغيرها.
لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور أعياداً، أي: اتخاذها أماكن للتجمع، أو زيارتها زيارة على وجه التعبد غير الزيارة المشروعة؛ لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري عيداً).
خامساً: ما أخذ طابع الاهتمام المتكرر الثابت، سواء من مكان أو زمان أو أي شيء من الأشياء، فإن هذا عيد، وذلك كالأيام التي تهتم بها بعض الأمم أو كل الأمم في العصر الحاضر كيوم الأم، ويوم الطفل، ويوم الصحة، ويوم الشجرة والنظافة ونحو ذلك من المهرجانات والاحتفالات، أو الأمور السنوية أو الدورية، فإن هذه من الأعياد الممنوعة.
والأصل في الأعياد أنها تعتبر من أبرز مظاهر حياة الأمم التي تعتز بها؛ لأنها من الخصائص والسمات والشعائر والشرائع التي تخص كل أمة، وقد تجتمع بعض الأمم في عيد واحد أو أكثر لسبب أو لآخر؛ ولذلك أمر الله المسلمين بالتميز في الأعياد، وأن تكون لهم أعياد لا يتعدونها ولا يزيدون عليها، بل ولا يقلدون غيرهم فيها ولا يلغون شيئاً منها، وكل أمة لها أعيادها التي تتميز بها وتعتز بها.
إذاً: فالأعياد من الشرائع والشعائر التعبدية التوقيفية، فهي تدخل في العقيدة من جانب، وفي الشريعة من جانب آخر، وعلى هذا فهي توقيفية، بمعنى: أنها موقوفة على ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لأحد بحال أن يشرع عيداً جديداً، أو ينشئ نوعاً من أنواع الأعياد بأي وجه من الوجوه، كما أنه لا يملك أحد من الناس أن يلغي عيداً من الأعياد التي شرعها الله تعالى.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم -كما سيأتي في النصوص- أن العيد من شعائر الدين، وهو من شرع الله ا