من الأسباب: كثرة المعاصي والشرور والملاهي، وكذلك بهارج الدنيا، الدنيا تغلف على قلوب الناس، إذا أقبلت قلوبهم على الدنيا فإنها تغلف؛ حتى لا تتأثر بالذكر والأوراد، وتكثر عليها هجمات الشياطين والوساوس والخطرات والخوف والقلق وغير ذلك، اليوم ضحكت الدنيا على الناس، الغني والفقير، لم تعد تشغل الأغنياء كما هو المعهود في السابق فقط، بل ألهت جميع الخلق، ضحكت لهم ضحكة الذئب، ولعل كبار السن يعرفون ما هي ضحكة الذئب؟ ضحكة الذئب يضرب بها مثلاً للمخادعة التي ينخدع بها الغر الساذج، الذئب إذا رآه الغر الساذج فاتحاً فاه يظنه يضحك، وهو يريد أن يأكله ويفترسه، والدنيا اليوم فعلاً فغرت فاها للناس، وظن الناس أنها تضحك لهم وهي تقتنصهم، تقتنص دينهم وأخلاقهم وقلوبهم، وتحولهم عن حقيقة العبادة لله عز وجل إلى عبادة الدنيا والشهوات والشبهات كما هو حاصل، وهذا لا بد أن ينعكس على قلوب الناس وعقولهم وأنفسهم وأبدانهم.
ولذلك عرفنا من خلال المختصين بالمستشفيات أنه عندما تحصل أي هزة ببعض أنواع التجارة أو في الأسهم تكثر أحوال الطوارئ والإسعافات، نسأل الله السلامة والعافية، الدنيا كلها ما تساوي صحة مؤمن وحفاظه على صحته، فضلاً عن دينه وأخلاقه.
وليست هذه الظاهرة ظاهرة خفيفة أو جزئية، بل في كل مكان في بلادنا إذا حصلت أي هزة اقتصادية خاصة في الأسهم أعلنت إسعافات الطوارئ، أكتفي بهذا المثال؛ لأن أمامي أموراً كثيرة أحب أن أنبه عليها.
كذلك الملهيات، وهي جزء من ضحكة الدنيا للناس، الملهيات والبهارج.
كذلك الوسائل التي الآن أشغلت الناس، رغم أنها نعمة من الله عز وجل؛ لكن نظراً لأنها لم تشكر واستخدمت على غير وجه شرعي في الغالب أصبحت مدمرة لدين الناس ودنياهم، أصبحت هذه الوسائل بشتى أنواعها مشغلة مهلكة للأعصاب موترة للنفوس.
فمثلاً: كم أحدث علينا الجوال الآن من المشكلات، نعم هو نعمة ويخدمنا، لكن صرنا أسرى الجوال، خدمناه أكثر مما يخدمنا، كنا قبل عشرين سنة ما نحتاج إلى الجوال أبداً، ولا نفكر أن نحتاج إليه، الآن لا يستغني عن الجوال إلا النادر، هذا مثال، كم يأخذ من عقلك ومشاعرك وقلبك وحسك؟ كم يأخذ من وقتك؟ يلهيك عن ذكر الله وشكره، كم بسبب هذا الجوال تنسى الواجبات والضروريات؟ كم تسيء الأدب وأنت لا تشعر؟ هذا كله أثره على القلب وعلى النفس بالغ.
وأيضاً من الأشياء التي تدل على قسوة القلوب واستحواذ الوسائل علينا: أن الجنائز هي أكبر فرصة لموعظة القلوب وترقيقها، وأكبر فرصة لتذكر الموت، وأكبر فرصة لأن يراجع الإنسان نفسه، لكن الآن عندما نتبع الجنازة نذهب إلى المقبرة وتجد مع الناس الجوالات وكأنك في سوق حراج، ضحكات، وبيع وشراء، وتبادل نكات، وأشياء لائقة وأشياء غير لائقة، ألا يؤثر هذا على القلوب، ويجعل الناس يركضون وراء الرقاة ووراء المشعوذين والدجالين يبحثون عن الصحة والعافية؟ هؤلاء ما عرفوا طريق الصحة والعافية.
كذلك الوسائل الأخرى، خذوا حمار الدجال (الشبكة العنكبوتية) وتسمى (الإنترنت)، والفضائيات.
والوسائل الأخرى التي أشغلت الناس وأقلقتهم وجعلتهم يعيشون أسرى للمادة، أسرى لهذه القضايا التي جعلت الإنسان يسمع ما يهز شعوره ووجدانه، في كل لحظة من الأحداث الجسام والفتن وكثرة المزعجات والمثيرات.