كذلك الحفظ: أن الله تكفّل بحفظ الدين، ولذلك في الحقيقة مما يجب أن نتنبه له في هذا الوقت: الحذر من النظرة التشاؤمية السوداوية تجاه الأحداث والمدلهمات الآن، نعم الأمة تعيش مدلهمات وأحداثاً جساماً ربما لو قال قائل: ما مرت في تاريخ الأمة مثلها لكان صادقاً، لكن لا يعني هذا: أن الدين هلك، ولا يعني هذا: أن الأمة هلكت بعامتها، أبداً، بل هذا يخالف وعد الله اليقيني، الأمة لا تهلك بعامة، ستبقى منها طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم حتى تقوم الساعة، لكن من هم هذه الطائفة؟ هم من يقوم بالواجب، هم من يأخذ بأسباب العزة، هم من يعتصم بالله عز وجل، ولا يمكن أن نحصرهم في ظرف معين، ولا بد أن يكونوا موجودين، قد يجتمع أهل الحق، وقد يشعرون بشيء من الغربة، ولكنهم ظاهرين، لا بد أن يظهروا الظهور الذي يقيم الحجة به على الخلق.
إذاً: لا نخشى على الدين، ولكن نخشى على أنفسنا؛ لأننا قصّرنا، فعندما نخاف نخاف من ذنوبنا، نخاف من تقصيرنا، لا نخاف على الدين، يجب ألا نخاف على الدين، ولا نخاف على الأمة بمجموعها، بمعنى أنها تدمّر، وأنها تنتهك كلها وتهلك، فقد يصيبها أذى، {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران:111]، وقد يقع على طوائف منها من البلاء كما هو حاصل الآن، يقع عليها من البلاء ما هو عظيم وشديد، لكن الأمة بجملتها لا تهلك، ولا يمكن أيضاً أن تُنتهك، والدين باق ومنصور، لكن الذي أوصي به نفسي وإخواني جميعاً أن ننظر ما موقعنا مع الحق؟ ما موقعنا مع هذه الفئة والطائفة التي لا تزال على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم، ورأسهم العلماء دائماً؟ العلماء هم رأس الأمة، ولا يمكن أن تبقى طائفة ظاهرة منصورة بدون علماء، ولذلك هذه مسألة منهجية يحتاج إلى أن يؤكدها طلاب العلم والدعاة؛ لئلا يقع بعض شبابنا بسبب هذا التصور إلى التعدي إلى مسالك غير مسالك العلماء الكبار، فإنما العصمة بمجموعهم لا بمن خرج عن منهجهم، فمن خرج عن منهجهم فهو في سبيل الضلالة، مهما كان اجتهاده، ومهما كان صلاحه، فلنتنبه؛ لئلا يقع شبابنا ونساؤنا وبناتنا في غوائل الغلو أو غوائل التفريط، وفي كلها شر، الآن أجيال المسلمين يعيشون بين تيارين خطيرين إلا من عصم الله، وهم القلّة الذين بقوا على منهج العلماء ومنهج المشايخ، يعيشون بين تياري الانفلات: انفلات فكري، وانفلات أخلاقي، انفلات مع وسائل الإعلام مع وسائل الشر التي دخلت لا أقول في البيت، كنا قبل عشر سنين نقول: كل بيت، الآن دخلت كل جيب، كل واحد في جيبه شر مستطير، هذا الشر دخل العقول والقلوب والأخلاق، هذا الشر استهدف أغلى ما تملكه الأمة، لكن ومع ذلك لا نيئس، فالخير باق فلنلتمس طريق الخير ولنلتمس أهل الخير، وليحرص كل منا أن يعتصم بعصمة أهل الخير، وإلا فبوادر الغربة الآن ظاهرة، فليحرص كل منا أن يبقى على مسلّمات الدين وثوابته، وأن يبقى مع أهل الحق.