المقدم: ذكرت يا شيخ قبل قليل حسب علمكم حفظكم الله أنه لا توجد دعوة مرت من بعد عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى هذا الوقت تشابه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في إحياء السنة، قد يقول قائل: إنكم تبالغون بهذا الكلام، وأنتم معجبون بهذه الدعوة حتى إنكم عممتم هذا الحكم، أين عصر الدعوة الأموية والعباسية والإمام أحمد بن حنبل ومواقفه؟ الشيخ: عصر القرون الثلاثة الفاضلة ما كانت بحاجة إلى التجديد الشامل، وإنما كانت فقط بحاجة إلى التجديد الجزئي، فقامت المذاهب وقامت حركات إصلاحية قوية في القرون الثلاثة الفاضلة، فبعد الخلفاء الراشدين جاء عهد عمر بن عبد العزيز، ثم الأئمة الكبار أمثال الإمام أبي حنيفة فقد كان له أثر كبير في تأصيل كثير من أمور الفقه في الدين، ثم الإمام مالك، ثم الإمام الشافعي، ثم الإمام أحمد، وهؤلاء كلهم لهم إسهام في التجديد، لكنه تجديد يتناسب مع وضع الأمة؛ لأن الأمة ما كانت بحاجة إلى التجديد الشمولي، كذلك في عهد الإمام ابن تيمية وتلاميذه هناك نوع من التجديد، لكن الأمة ما أعرضت إعراضاً شمولياً، أما في عهد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان هناك نوع من البعد عن الإسلام ككيان لا كوجود، وإلا فيوجد علماء وصالحون ولا شك حتى في جزيرة العرب، ونجد بالذات التي قامت فيها الدعوة، كان يوجد فيها علماء ويوجد فيها طلاب علم، لكن لا يوجد كيان متكامل كالكيان في القرون الثلاثة الفاضلة، فما كانت الأمة بحاجة إلى مثل هذه التجديد الشامل كما هي بحاجة إليه بعد القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر، فلما احتاجت الأمة إلى التجديد الشامل وجدت مثل هذه الحركة فكانت فعلاً تتميز بالشمولية التي لم يسبقها مثلها بعد القرون الثلاثة الفاضلة؛ لأن الأمة ما كانت بحاجة إلى مثل هذه الشمولية.