الشبهات أنواع: النوع الأول: شبهات عارضة، وهذه خاصة، يعني: تحدث لشخص بسبب ما عنده من أفكار ومن خيالات وأحياناً تصل إلى حد الوساوس وغيره، هذه فتن وشبه خاصة يتعرض لها بعض الأفراد، بعض أفراد المسلمين تكون عنده أوهام وشكوك، شبهات في القدر، أحياناً في مقام الألوهية نسأل الله السلامة، غالباً هذا وسواس قهري، وأحياناً في بعض مسائل الدين في بعض أحكام الشرع، في علل التشريع، لكن بقدر قوة إيمان الشخص تزول بإذن الله، أو تكون مرضاً خاص به عندما يصل الأمر إلى حد الوسوسة، فإذا كانت مرضاً فهي لا تضر بإيمان الإنسان، بل ربما يؤجر على مكابدة هذا المرض، لا يهمنا هذا الشيء الفردي، فالأوهام والخطرات التي تكون للأفراد ليست هي الفتنة العامة، وإنما هي فتنة قد تضر بالشخص نفسه، فما دام لم يدع إليها فهو داخل في النوع الأول: وهي الشبهات الفردية.
النوع الثاني: الشبهات التي تؤثر في أصول الاعتقاد، وتصبح مذاهب يدعو إليها أصحابها، سواء كانت مستوردة أو مخترعة من قبل أشخاص أنفسهم، سواء كانت بسبب أوهام ووساوس لكن يدعو إليها صاحبها، أو كانت مقننة بفكر وثقافة معينة، كل ذلك يعتبر من الشبهات غير العارضة، بل من الشبهات الدائمة التي تبقى ويكون لها ضحايا من أبناء المسلمين.
النوع الثالث: الشبهات التي تصرف القلوب والعقول عن الهدى والحق صرفاً كاملاً أو جزئياً.
النوع الرابع: الشبهات العامة التي تؤدي إلى فرقة بين المسلمين، والفرقة أنواع: فرقة غير ظاهرة، وفرقة ظاهرة، سواء كانت فرقة عن عموم الأمة، أو عن عموم أهل السنة والجماعة، أو فرقة عن منهج العلماء ومنهج أهل الحق والعقد، سواء كانت فرقة في الدين، أو فرقة فيما يتعلق بمصالح الأمة العظمى.
والفرقة في الدين كالبدع والمحدثات وغيرها، والفرقة في المصالح العظمى كالخروج على العلماء والخروج على الولاة، وعن مقتضى السمع والطاعة.
والخروج عما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم من ضرورة الجماعة والسمع والطاعة بالمعروف لولاة الأمر، وضرورة اجتماع الكلمة وحفظ الحقوق المعتبرة بين الأمة لأفرادها ومجموعاتها.
والخروج الذي يؤدي إلى الإخلال بمصالح الأمة العظمى، مثل: الإخلال بالأمن، أو الإخلال بقوة الجماعة وتماسكها، أو سلوك مسالك الإنكار التي تؤدي إلى فساد أعظم، وهذه كلها غالباً تحدث من فئات متدينة، بل لا أعرف أن هذه الشبهات تحدث إلا من متدينين؛ لأن غير المتدين يسلك مسالك لا تكون على شكل رايات دينية، إلا بعض أصحاب المصالح الشخصية الذين يغررون بالغوغاء باسم الدين، كما حدث في فتنة ابن الأشعث وغيرها، يغررون بالمتدينين باسم الدين، وتجد هؤلاء الرءوس لا يهمهم إلا السلطان أو الانتقام من الخصوم.
أو مصالح معينة شخصية أو أممية، لكن تجدهم يستغلون عواطف الناس ثم يتبين الحق، كما حدث من ابن سبأ من يتتبع سيرته يجد أنه أظهر الغيرة والحرقة على دين الأمة وعلى مصالحها، فاستثار طائفة من جُهّال شباب المسلمين في ذلك الوقت حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، فاستمالهم إلى مذهبه، ثم تبيّن أنه يهودي كائد خبيث، يعتبر بمثابة رأس الاستخبارات اليهودية في ذلك الوقت، على حسب المصطلحات المستعملة اليوم.
إذاً: كل ما يؤدي إلى الفرقة والخروج عن الجماعة، أو يؤدي إلى الإخلال بمصالح الأمة العظمى، بجماعتها وبأمنها وبقوتها وعزتها، حتى وإن كان باسم الدين يعتبر من أعظم الشبهات التي حدثت في التاريخ، وهي أعظم ما يحدث في يومنا هذا وأخطره على الأمة؛ لأنها ملبسة غير بينة وغير واضحة، لو جاء واحد يحمل لواء الإرجاء لعرفه العلماء وقالوا: هذا مرجئ، أو لواء الاعتزال لقالوا: هذا معتزلي، لكن إنسان يقول: أنا مشفق على الأمة، أنا أريد أن أقضي على الفساد وكذا وكذا، فهذا أكثر الناس لا يميّز فيه بين المنهج الحق والمنهج الباطل، هذه من الشبهات المجملة وأسبابها كثيرة.