أهمية الإيمان بالقدر تظهر جلية في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه جبريل على صورة بشر كما في حديث أبي هريرة وعمر، وتمثل بشراً؛ ليعلم الناس أمر الدين، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام وعن الإيمان، وكان الجواب من النبي ليس بالتعريف اللغوي كما نعرفه الآن، بل أتى بالتعريف بأصل أو بأهم ما يكون في الإيمان، فكأن جبريل وهو يسأل النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: أخبرني يا محمد! -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان؟ فقال: سأجيبك بأهم ما في الإيمان، وهي أركان الإيمان، أو الأعمدة والأساطين التي يكون عليها بناء الإيمان، فأجابه عن أركان الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره).
وأيضًا ورد في حديث يسمى مسلسلاً عند علماء الحديث، والمسلسل عند علماء الحديث: هو ورود الحديث بصفة أو هينة واحدة من أول السند إلى آخره، وقد يكون التسلسل في المتن وقد يكون في السند، مثال المسلسل في المتن حديث معاذ عندما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ! إني أحبك فلا تدعن دبر كل صلاة) وذكر الحديث، فلما روى معاذ الحديث للتابعي قال له: إني أحبك فلا تدعن دبر كل صلاة، والتابعي يقول لتلميذه نفس ما قاله معاذ رضي الله عنه وأرضاه، فتسلسل الحديث بذلك.
أيضاً هناك حديث منسلسل بالضحك، عن علي بن أبي طالب في حديث ركوب الدابة، وهذه السنة قد ماتت، وهي أن الإنسان إذا ركب الدابة قال: باسم الله، الحمد لله الذي سخرنا لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الحمد لله، ثم يقول: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب، وعندما قال ذلك النبي عليه الصلاة والسلام ابتسم في آخره، وكذلك علي بن أبي طالب ومن بعده كانوا يبتسمون عند رواية هذا الحديث، ولهذا تجدها في الإسناد مسلسلة بالمتن.
وجاء حديث الإيمان بالقدر وأهميته مسلسلاً، وهو أنه قال: (آمنت بالقدر خيره وشره) فجاء أبو هريرة فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:، ثم إن أبا هريرة وبعد إتمام الحديث يقول: (آمنت بالقدر خيره وشره).
فالنبي صلى الله عليه وسلم يأمر الأمة بالإيمان بالقدر، ويبين ركنية الإيمان بالقدر بقوله: (أن تؤمن بالله وبملائكته إلى أن قال وتؤمن بالقدر خيره وشره).
هذه الأحاديث التي أثبتت أهمية وركنية القدر، بينت أن من لم يؤمن بالقدر فقد هدم إيمانه، وهنا تظهر -جلياً- الأهمية القصوى للإيمان بالقدر، إذ هو ركن من أركان الإيمان، وإذا هدم أحد الناس هذا الركن فقد هدم إيمانه، ويدل على ذلك حديث مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه عندما اكتنفاه رجلان من الكوفة، رجل عن يمينه ورجل عن يساره، وقالا لـ ابن عمر: تكلم أناس عندنا في القدر، وقالوا: إن الأمر أُنُفٌ، فقال ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه: أبلغهم أني منهم براء، وهم مني براء، يعني: أنا برئت منهم وهم براء مني، ثم ذكر حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.
وأصرح من ذلك حديث عبادة بن الصامت، وهو يشرح لابنه الإيمان بالقدر، فقال: عليك أن تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، قال: فإن مت على غير ذلك دخلت النار.
وأيضًا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح أنه قال: (من لم يؤمن بالقدر أحرقه الله بالنار)، وقد ورد أيضًا مقطوعاً عن ابن وهب أنه قال: (من لم يؤمن بالقدر أحرقه الله)، وفي رواية أخرى عن عوف بن مالك أنه قال: (من كذب بالقدر فقد كذب بالإسلام)، فإن المؤمن لا يستقيم إيمانه عند ربه جل في علاه، ولا يكون من الخالدين في الجنة إلا أن يؤمن بهذا الركن الركين من هذا الدين، وهو الإيمان بالقدر، وإذا قلنا بأن القدر ركن من أركان الإيمان ولا يستقيم إيمان عبد حتى يؤمن بالقدر، فلا بد أن نقرع باب القدر، وندخل في البوابة الصحيحة التي يطمئن فيها المرء أنه قد استقام إيمانه بالقدر ومراتبه.