سبب الطعن في حديث البخاري هو: أن الذي أباح رضاع الكبير أجاز أن يمص الثدي وأن يرضع منه مباشرة.
والجواب على هذا الطعن هو أن الراجح أنها واقعة عين يقاس عليها مثلها، ولكن ليس معنى ذلك أن الرضاع يجوز من ثدي المرأة مباشرة، فهذا لا يجوز بحال من الأحوال، لكنهم قالوا: إن ظاهر الأدلة أنه رضع من ثديها، قالت: (يا رسول الله! إنه لكبير! قال: قد علمت أنه رجل كبير) وقد جاء في بعض الروايات: أنها عصرت ثديها في قارورة وشربها.
فلما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك دل على أنه يجوز أن يمص ثديها.
وقد يؤيد البعض ذلك بمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، وهذا خطأ فيحتمل أنه صافحهن بمجرد القول باللسان، وقال: قد بايعت.
يعني: أعلم أنه كبير فتذهب نحوه ويلتقم ثديها ويشرب؛ لأن هذا مرخص لك، والذي استنبطه الشيخ الألباني رحمه الله من هذا الحديث هو: أنه يلتقم ثديها ويشرب، وقال: أباح المقصد فأباح الوسيلة له، وهذا تأويل جيد، والقاعدة التي أتى بها الشيخ صحيحة نوافقه عليها، لكن هذا الحديث مجمل، والمجمل يحال على المفسر، والأصل الشرعي: أن النظر إلى عورات النساء حرام، ومن قال بغير ذلك فليأتنا بالدليل غير المحتمل الوسيلة، فنقول: والوسائل تنقسم إلى: وسيلة محرمة، ووسيلة جائزة، ووسيلة مرسلة، فالوسيلة المحرمة: هي التي جاء النص القطعي بتحريمها، ومن ذلك التقام ثدي المرأة والنظر إليه، فهذه وسيلة محرمة، وقد جاء الشرع بتحريمها، يقول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أصافح النساء) فهذه دلالة شرعية على أن هذه الوسيلة محرمة، والوسيلة المحرمة لا بد من اجتنابها.
أما الوسيلة المرسلة فهي التي لم يأت الشرع بتحريمها أو تحليلها، وهذه تستخدم عند فقد الوسيلة.
والحلال هو ما جاء الشرع بتجويزه، وهو أن يشرب فيطبق الحديث ولكن دون أن يلتقم ثدي المرأة، ودون أن ينظر إلى العورة، فليس المقصود أن يمص الفم الثدي حتى يصبح حراماً عليها، فالمؤثر في التحريم هو الحليب، وليس مص الثدي ولا النظر إليه، فإن كانت هذه ليست علة مؤثرة والعلة المؤثرة هي وصول الحليب إلى المعدة فيمكن أن يصل الحليب إلى المعدة بأي إناء بعد أن يعصر الثدي وينزل الحليب في مكان معين ثم يشرب، فإذا وصل اللبن إلى المعدة أصبح محرماً.
فنحن وإن قلنا برضاع الكبير ولكن لم نقل بأن ينظر إلى ثديها، أو يمصه؛ لأن هذا محرم في ديننا.
ونكون قد خرجنا مما قالوا كالشعرة من العجين، وقلنا بقول أهل العلم المحققين الذين قالوا بأن هذه واقعة عين لا يقاس عليها إلا مثلها، فنحن نقول بالرضاع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ونقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بحرمة مس المرأة والنظر إليها.
ولا يجوز للابن أن ينظر إلى ثدي أمه أو ذراعيها أو ساقيها أو الفخذ أو الوريد، فكيف برجل أجنبي؟ فالشريعة تأبى مثل هذا الأمر.
فهذا هو الرد عليهم في هذه القضية.