من الشرور الزنا والسرقة والقتل والغدر، فهل تنسب هذه الشرور إلى الله؟ الإجابة على ذلك أن نقول: سنقر بهذا لكن بقيد وشرط، ونثبت هذا على التقييد لا على الإطلاق، أو نقول: على التضمين وليس على التصريح، فلنا ثلاثة أمور نقر فيها بأن الله خلق الشر: الأمر الأول: أن نجعل هذه الشرور تندرج تحت الأصل العام، فلو قيل: أخلق الله الزنا؟ أخلق الله القتل؟ أخلق خلق الله السرقة؟ نقول: الله خالق كل شيء؛ إذ إنه من سوء الأدب أن تقول: خلق الله الزنا، أو خلق الله هذا الفحش من الكلام، فمع أن الله خلقه، لكن نقول: هذا الشر في المفعول وليس في الفاعل، فتدرجه تحت الأصل العام ألا وهو: الله خالق كل شيء.
الأمر الثاني: أن تنسب هذا الشر للإنسان وكسبه، فالإنسان هو الذي زنى، وهو الذي سرق، وهو الذي قطع، وهو الذي تكلم بفحش الكلام، وقد قال الله تعالى حاكياً عن الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام أنه قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ} [الشعراء:80] فمع أن المرض خلقه الله، إلا أنه نسب المرض لنفسه؛ ولذا يصح أن تقول: الزاني فلان، أو السارق فلان.
وفي الحديث أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها لما دخل اليهود وقالوا: يا رسول الله! السام عليك، فقالت عائشة: وعليكم السام، ثم قالوا: السام عليكم مرة ثانية ثم ثالثاً فقالت عائشة: وعليكم السام والموت يا إخوة القردة والخنازير، فلما قالت ذلك قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة! قد رددنا عليهم، إن الله لا يحب الفاحش البذيء)، فنسب السب للمكلف، فلك أن تنسب الشر لفاعله.
وسبق في مبحث الأسماء والصفات أننا عندما نتحدث عن صفات الكمال ينبغي أن نتحدث عنها بتفصيل فنقول: الله خالق، الله رازق، الله معطي، الله محب، الله ينزل، وعند التحدث عن الصفات السلبية التي هي صفات النقص نتحدث عنها بإجمال، وقد ضرب صاحب شرح الطحاوية مثلاً لذلك فقال: لو دخل رجل على ملك موقر فقال له: أنت ليس في الكون مثلك، أنت لست بزبال ولست بكناس ولست بزان وأمك ليست بعاهرة، ولا أبوك بسارق، فلا شك أنه سيقطع رأسه في الحال؛ لأنه سيء الأدب.
وهكذا عند نسبة الشر لله جل في علاه نقول: إنه يندرج تحت القاعدة العامة أو الأصل العام: الله خالق كل شيء، والثاني: أن ننسب لفاعل الشر فعل الشر، وهذا مستقى من قول إبراهيم: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80].
ومع ذلك لا بد أن يعلم أن نسبة الشر لفاعله ليس على الإطلاق، بل ننسبه لفاعله كسباً وننسبه لله خلقاً وإيجاداً، فإن قال لك قائل: خلق الله الزنا؟ خلق الله الفحش؟ فقل: هذا زان، هذا فاحش، وإذا شئت التفصيل فقل: هذا زان كسباً، ولكن الله جل وعلا خلق كل شيء.
الأمر الثالث: عند نسبة الشر لله جل في علاه ينبغي أن تبني بالمفعول، فلا تصرح بنسبة الشر لله، وهذا علمناه من فقهاء الجن، حيث قالوا: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10] فهم عندما تحدثوا عن الكمالات نسبوها صريحة لله جل في علاه، وعندما تحدثوا عن الشرور بنوا للمفعول فقالوا: أريد بهم شراً ولم يقولوا: الله أراد بهم شراً.