فضل الله نبينا على جميع الرسل، وخصه بست من الفضائل لم يعطَ نبي فضيلة واحدة من هذه الست، وأعظم من هذه الست القرآن، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر:87].
وفضله الله على الأنبياء بأن أعطاه جوامع الكلم، ونصر بالرعب، وأحلت له الغنائم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الفضائل الست في قوله صلى الله عليه وسلم: (فضلت على الناس بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون).
كان كل نبي يرسل إلى قومه خاصة وأرسله الله كرامة له للناس أجمعين، ولذلك صح في البخاري ومسلم أنه قال: (والذي نفسي بيده! ما يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار).
وقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، وذلك أن يجمع الله له بالقول الوجيز المعاني الكثيرة.
فلو تدبر الإنسان قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قل: آمنت بالله ثم استقم)، وإذا شرح هذا الحديث في مجلدات ما احتملت المجلدات شرح هذا الحديث.
قال: (ونصرت بالرعب) فإن الله جل في علاه -كرامة لهذا النبي العظيم- يلقي في قلوب أعدائه الرعب من مسيرة شهر، قال الله تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران:151]، وقال في آية أخرى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12].
قال: (وأحلت لي الغنائم) وكانت العادة في زمن الأنبياء أن تنزل النار من السماء تأكل هذه الغنائم، فأحلها الله رحمة بهذه الأمة وكرامة لنبي هذه الأمة.
قال: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) جعلت الأرض بأسرها طهوراً ومسجداً فأيما رجل أدركته الصلاة في أي مكان فلم يجد الماء فله أن يضرب يديه على الأرض ويمسح على وجهه ويديه ويصلي الصلاة في أي مكان مستقبلاً القبلة رحمة من الله بهذه الأمة وكرامة لنبي هذه الأمة.
وهذه الفضيلة المهمة العظيمة قال: (وأرسلت للناس كافة) فإن الله جل وعلا أرسله للناس كافة عربهم وعجمهم أبيضهم وأحمرهم، بل وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم للثقلين: الإنس والجن، قال تعالى على لسان نبيه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158]، وقال تعالى حاكياً عن الجن: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف:30 - 32].
وأخيراً هو خاتم الأنبياء فلا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب:40].
هذه الكرامات وهذه المكانة العظيمة التي أجلاها الله وصورها في هذه الدنيا إتماماً لهذه الكرامات وإتماماً لتعظيم مكانة رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما يبعث الله الخلائق يوم الدين، يوم يكون رسولنا الأمين بيده لواء الحمد والأنبياء والمرسلون تحت لوائه كل يكون تابعاً له، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، بيدي لواء الحمد بلا فخر، وما من نبي يومئذٍ -آدم فمن سواه- إلا تحت لوائي، وأنا أول شافع وأول من يشفع ولا فخر) فعندما يشتد الكرب ويدلهم الخطب وتقترب الشمس من الرءوس يغرق الناس في العرق، ومنهم من يصل عرقه إلى كعبيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم إلى صدره، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وتزلزل القلوب، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، وعندما يعظم الأمر على الناس يستشفعون بالرسل والأنبياء ليشفعوا لهم عند ربهم للقضاء بينهم، وما من نبي إلا ويقول: نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، آدم يحيلهم إلى نوح، ونوح يحيلهم إلى موسى، وموسى يحيلهم إلى عيسى، فيقول عيسى: اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، إنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيقول النبي الأمين: (أنا لها أنا لها، فيذهب ويخر ساجداً عند العرش، فيحمد الله بمحامد لا يعلمها إلا في ذلك الوقت)، وهذه خصيصة لرسولنا صلى الله عليه وسلم كرامة وتعظيماً وتشريفاً لنبينا.
يقول: (فأحمد الله بمحامد فيقال: يا محمد سل تعط، واشفع تشفع) -بأبي هو وأمي- هذه مكانته عند ربه جل في علاه، فهلا علم هؤلاء السفهاء كيف مكانة هذا الرسول العظيم عند ربه جل في علاه؟!